العلاقة بين التنشئة السياسية و المشاركة السياسية و الدور الهام الذي تقوم به وسائل الإعلام بعد التطورات الجديدة ، التي جزء منها متعلق بعملية التحول الديمقراطي التي تشهدها العديد من الدول في العالم ، و تنامي مفاهيم جديدة أفرزتها عولمة القيم الديمقراطية.و تحديد للأطر العامة التي يمكن أن تتخذها هذه المفاهيم المتداخلة في العملية السياسية .
الكلمات المفتاحية: وسائل الإعلام ، التنمية السياسية ، المشاركة السياسية ، الديمقراطية.العولمة الإعلامية
مقـدمة:
إن التنمية السياسية تأتي في مقدمة أهداف عملية الإصلاح والتحديث والتقدم الاجتماعي لأي مجتمع ، و تنطلق من تشخيص للواقع الاجتماعي، في ضوء المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجالات عدة . و هي حسب المختصين جملة العمليات والإجراأت التي تستهدف تحديث النسق السياسي داخل البناء الاجتماعي.
الأمر الذي ننطلق منه للوصول إلى المشاركة السياسية ، ودون الغوص في تدقيق مفاهيمي ،و نركز على المشاركة السياسية كمفهوم مرتبط بالتنمية السياسية ، و على اعتبار أن المشاركة السياسية أضحت أحد المعايير الهامة لشرعية السلطة السياسية في أي مجتمع ،و الإعلام عبر وسائله المختلفة يمكن أن يساهم في تفعيل المشاركة السياسية. فما الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام في تعزيز هذه العلاقة و في تفعيل العملية السياسية ؟
تشكل وسائل الإعلام أهم مصدر من مصادر الثقافة السياسية عند الأفراد، فهي تعد كمؤسسات ثقافية فاعلة تساهم في صياغة موقف الرأي العام المتوافق مع الطبيعة الثقافية للمجتمع و بلورة اتجاهاته و قيمه و اتجاهاته و معارفه السياسية و تحديد وجهة تفكيره السياسي ()
لقد أصبحت وسائل الإعلام تلعب دورا هاما في المجتمع، حيت احتلت مكانة هامة في التفاعلات الاجتماعية و السياسية داخل المجتمعات الديمقراطية.(2) ضمن سياق عالمي جديد أفرز معطيات تختلف كلية عن العهود التي سبقت أثناء و قبل الحرب الباردة.
وتعتبر التنمية السياسية من المفاهيم الحديثة، وبعداً أساسياً من أبعاد التنمية الشاملة، فالتنمية السياسية جزأً من التنمية الشاملة انبثق منها وتفرع منها، ويعرفها الباحثون بأنها "هي تنمية قدرات الجماهير على إدراك مشكلاتهم بوضوح، وقدراتهم على تعبئة كل الإمكانات المتاحة لمواجهة هذه المشكلات بشكل عملي وواقعي، أو تنظيم الحياة السياسية ومتابعة أداء الوظائف السياسية في إطار الدولة، وتطوير النظم السياسية والممارسة السياسية لتصبح أكثر ديمقراطية في التعامل وأكثر إحراجاً لكرامة الإنسان ومطالبه، هذا إلى جانب تمثل الجماهير لقيم الديمقراطية وتحقيق المساواة السياسية بين أبناء المجتمع"()
إنّ العلاقة بين المشاركة السياسية والتنمية البشرية، هو إن الأولى لازمة لتحقيق الثانية، إذ لا يمكن تحقيق أهداف التنمية، بدون مشاركة فعلية وحقيقية من قبل شرائح المجتمع وبمختلف انتماأتهم الأثنية والإقليمية والاجتماعية.
وعليهِ يمكن القول إن المشاركة السياسية تعتبر المظهر الرئيسي للديمقراطية، حيث إن ازدياد المشاركة السياسية من قبل الشعب في العملية السياسية يمثل التعبير الحقيقي عن الديمقراطية، ولكن من أجل تحقيق مشاركة سياسية فعالة يتطلب تواجد مجموعة من الشروط لتحقيق ذلك، منها رفع درجة الوعي من خلال القضاء على الأمية والتخلف، وحرية وسائل الإعلام، وحرية الرأي والتعبير، وتقوية وتفعيل التنظيمات السياسية الوسيطة من الأحزاب .... وتفعيل دور المؤسسات والهيئات في الدولة، كمؤسسات المجتمع المدني باعتبارها أداة مهمة من أدواة مراقبة أعمال الحكومة، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي داخل المجتمع، وبناء المؤسسات السياسية القادرة على استيعاب القوى السياسية الراغبة في المشاركة السياسية، وعند توفير الشروط المذكورة آنفاً فمن الممكن الحديث عن وجود مشاركة سياسية فعالة من قبل الجماهير،(4) وهذه المشاركة سوف تعود على المجتمع بعدة فوائد يمكن استخلاصها في هذا الصدد كما يلي :
. إنّ المشاركة تعني تحقيق مساهمة أوسع للشعب في رسم السياسات العامة وصنع القرارات واتخاذها وتنفيذها.
. إنّ المشاركة تعني إعادة هيكلة وتنظيم بنية النظام السياسي ومؤسساتهُ وعلاقته بما يتلاءم وصيغة المشاركة الأوسع للشعب في العملية السياسية وفعالياتها.
. إنّ المشاركة السياسية أضحت أحد المعايير الرئيسية لشرعية السلطة السياسية في أي مجتمع.
. إنّ المشاركة السياسية توفر للسلطة فرص التعرف على رأي الشعب ورغباته واتجاهاته.
. إنّ المشاركة السياسية توفر الأمن والاستقرار داخل المجتمع.
. إنّ المشاركة السياسية تمثل الإرادة العامة للشعب.
. إنّ المشاركة السياسية تعني القضاء على الاستبداد والتسلط والانفراد بالسلطة.
. إنّ المشاركة السياسية تمثل شرطاً أساسياً لتحقيق التنمية في المجتمع.
. إنّ المشاركة السياسية تلعب دوراً كبيراً في بناء وتحقيق الوحدة الوطنية بين الجميع.
يتضح مما تقدم إن إتاحة الفرصة لجميع سكان الدولة للمشاركة الشعبية باتخاذ القرارات وإدارة شؤون البلاد، سواء بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين عنهم.( )
تحديدا للمفاهيم الواردة ، ننتقل إلى " نعرف المشاركة السياسية على أنها الطريقة أو الوسيلة التي يستطيع من خلالها المواطن التعبير عن موقفه من مختلف القضايا التي تضمه وتهم المصالح العامهوبواسطتها يشارك في صناعة القرار السياسي عن طريق التمثيل في المؤسسات السياسية المنتخبة والتي قد تعبر عن اهتماماته أو جزء منها "()
و تبرز أهمية الإعلام في التنشئة السياسية من المكانة التي أصبح يحتلها اليوم كقوة أو سلطة لما تملكه من تأثير على توجهات الأفراد و مواقفهم السياسية، و التأثير على أذواقهم و كل نمط حياتهم. ()
لاشك في أن العديد من الدراسات التي سعت إلى محاولة التعرف على ما يمكن أن تسهم بهوسائل الإعلام من دور سياسي في المجتمع أو ما يمكن أن نسميه دوره في إحداث التنميةالسياسية في المجتمع
وقد تنوعت واختلفت نتائج واستنتاجات تلك الدراسات فبعضها بالغ في الأثر الذي يمكن أن تحدثه هذه الوسائل، والبعض الآخر أهون كثيرا من هذا الأثر والبعض الثالث كانت رؤيته متوازنة حيث ربط هذا الدور المنتظر لوسائل الإعلام بمتغيرات أخرى في المجتمع، لها تأثير في حجم الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام في الواقع السياسي في المجتمع .
وإذا كانت المشاركة السياسية هي عنصر حيوي من العناصر التي تقوم عليها عملية التنمية السياسية في المجتمع فان ذلك يعني أن وسائل الإعلام تستطيع أن تسهم بدورها في دفع المواطنين نحو المزيد من المشاركة في الواقع السياسي وإقناعهم بالتخلي عن السلبية التي أصبحت سمة مميزة لغالبية أفراد المجتمع ممن يطلق عليهم الأغلبية الصامتة التي لا تؤثر في الأحداث السياسية في المجتمع ولا تتفاعل مع هذه الأبحاث وبالتالي فهي مجموعة ليس لها دور في إيجاد حالة الحراك السياسي التي تتطلبها عمليات التغيير السياسي في أي مجتمع يرغب في تحقيق تنمية سياسية حقيقية وليست شكلية. ()
يمكننا التأكيد هنا على الدور الهام الذي تقوم به وسائل الإعلام في إحداث مشاركة سياسية فعالة من خلال التنبيه إلى أهمية مفهوم "الاستعداد للمشاركة السياسية " و يقصد به اقتناع أغلب المواطنين بضرورة المشاركة بوعي و إيجابية في صنع القرار و اختيار الحكام و أعضاء المؤسسات التمثيلية ،و هذا ما يؤدي إلى الممارسة البناءة و الفعالة . و تندرج مستويات هذه المشاركة ابتداء من مزاولة حق التصويت مرورا بالمشاركة في النقاشات السياسية و تقديم الاقتراحات و اكتساب عضوية التنظيمات السياسية و الترشح للمناصب العامة ، و تنتهي بالوجود الفعلي في السلطة . ( )
ويرى" جون ميريل" أن لوسائل الإعلام تأثيرا واضحاً في مجال تكوين قاعدة من المعلومات ووضع الأجندة لقطاعات من الجمهور كما أن تأثيرها واضح أيضا في مجال السلوكيات ويحدد "جون ماكنتلي" أن هناك أربعة اتجاهات تفسر الدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في مجال التنمية السياسية كما يلي:
أولا ـ الاتجاه المتشائم الذي يرى أن وسائل الإعلام ليس لها تأثير على عملية التنمية السياسية ثانيا ـ الاتجاه المتحمس الذي يرى أن لوسائل الإعلام دورها الفعال والمؤثر في إحداث التنمية السياسية في المجتمع.
ثالثاـ الاتجاه الحذر: حيث يربط بين دور وسائل الإعلام وقدرتها على إحداث التنمية السياسية في المجتمع وبين تأثير قادة الرأي في المجتمع.
رابعا ـ الاتجاه الواقعي: الذي يرى أن تأثير وسائل الإعلام في مجال التنمية السياسية يتوقف على ظروف المجتمع بشكل عام وعلى ظروف تلك الوسائل بشكل خاص.
وإذا حاولنا التركيز على مدى ما يمكن أن تسهم به وسائل الإعلام في مجال المشاركة السياسية أو كيفية تحول الأغلبية الصامتة إلى أغلبية فاعلة فان هذا الدور يتوقف على العناصر التالية :
ء مدى الوجود الفعلي لتلك الوسائل في المسرح السياسي ومدى قدرتها على الوصول إلى الجماهير المستهدفة فنحن لا نستطيع أن نتنبأ بدور لوسيلة إعلامية لا تصل أساسا إلى جمهورها المستهدف .
ء مدى اعتماد الجمهور على تلك الوسائل كمصدر للمعلومات: اي إلى أي مدى يثق الجمهور بتلك الوسائل ما مدى مصداقيتها لدى الجمهور المستهدف فكيف نتحدث عن فاعلية وسيلة مصداقيتها ضعيفة لدى جمهورها؟.
ء طبيعة الرسائل الإعلامية التي تقدمها تلك الوسائل ومدى توافقها مع احتياجات الجمهور ومدى موضوعيتها وصدقها ومدى اقترابها من الواقع الفعلي لهذا الجمهور.
4ء مدى التكامل بين الوسائل وبعضها في المجتمع حيث انه من الأمور التي قد تقلل من تأثير وسائل الإعلام في عملية المشاركة السياسية مدى التخبط بين الوسائل وبعضها وعدم وجود تنسيق بينها يساعد على تغطية الجماهير المستهدفة بالرسائل التي تتلاءم معها .
ء مدى ملائمة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمع لخلق مناخ يساعد على إحداث المشاركة السياسية فالإعلام هو جزء من منظومة المجتمع ككل ولا يمكن أن نتوقع له دور منفرد دون مساعدة وتهيئة عناصر المجتمع الأخرى.
ء مدى نجاح وسائل الإعلام في تقديم أجندة موضوعية لقطاعات الجمهور المختلفة وهذه الأجندة لن يكتب لها النجاح إلا بقدرة هذه الوسائل عن كسب ثقة الجمهور المستهدف.
ء نجاح وسائل الإعلام في دفع فكرة المشاركة السياسية في المجتمع لن يحدث إلا من خلال خلق حوافز عاجلة او آجلة للجمهور فهذا الجمهور يحتاج إلى من يخرجه من حالة اللامبالاة والسلبية المتراكمة في ذهنه منذ سنوات طويلة فقد خلالها الاقتناع بأهمية دوره في المجتمع وبالتالي فلكي نخرجه من هذه العزلة فالمسألة تحتاج إلى صبر وتأن وتحتاج إلى حملات إعلامية متتابعة ومتوازنة وتحتاج إلى عناية شديدة في إعداد الرسالة الإعلامية وكذلك إلى الاستفادة من مميزات وإمكانيات كل وسيلة بما يزيد من فاعلية رسائلها وتحتاج المسألة أيضا إلى زيادة دور الجمهور المتلقي في المضامين خاصة الإذاعية والتلفزيونية فإذا كنا نتحدث عن تفعيل المشاركة السياسية فمن باب أولى أن نشجع الجمهور على أن يشارك برامجنا سواء بالحضور أو بالمراسلات أو المكالمات حتى تكون البرامج بمثابة منبر للتعبير عن آراء تلك الجماهير ولتكون تلك بداية نحو دفع هذه الجماهير تجاه السلوك الايجابي الفعال .
ولابد كذلك من إجراء دراسات استطلاعية للتعرف على اراء واتجاهات الجمهور اتجاه الأحداث السياسية في المجتمع للتعرف على مدى تجاوبه معها ومعرفة حجم اهتمامه بها وكذلك التعرف على المرتكزات التي ينبغي أن تهتم بها الرسالة الإعلامية والتي تؤكد أهمية أن تتسم بالاستمرارية والتنوع وعدم ارتباطها بحدث ما أو مناسبة ما بل ينبغي أن تكون مستمرة حتى يكون هناك اثر لتراكم الرسائل الإعلامية نحو تحقيق الهدف الأساسي وهو تفعيل المشاركة السياسية للمواطنين في المجتمع .
وكذلك على وسائل الإعلام أن تقف على الحياد اتجاه الأحداث بشكل موضوعي ومنطقي.
وضرورة تبنى سياسة إعلامية واحدة موحدة ومعروفة المعالم مع التأكيد على رفض تسويق سياسية حزبية معينة حتى لا يحدث تناقض بين الوسائل الإعلامية المختلفة.وزيادة حجم البرامج السياسية والاجتماعية والوطنية والمدنية التي تقدمها وسائل الإعلام المختلفة الذي يؤدى بدوره إلى تنمية الوعي السياسي .وكذلك يجب على وسائل الإعلام ان تقدم رسالتها الإعلامية بما يتوافق مع عادات وتقاليد مجتمعها. ()
إن ثورة تكنولوجيا وسائل الاتصال والحاسبات الآلية والمعلومات قد أحدثت تغييرات اجتماعية هائلة ' ولاسيما يتصل بالنمو المتزايد والكبير في العلاقات التفاعلية بين قطاع الاتصال والمعلومات وبين سائر القطاعات الاجتماعية ' وهو ما تأكد بجلاء خلال الربع الأخير من القرن العشرين'بحيث أصبحت المجتمعات المتطورة تكنولوجيا توصف بأنها "مجتمعات المعلوماتية"التي تنقلها الأخبار اليومية والمباشرة للأحداث والقضايا المحلية والدولية.( )
من بين مجموع تنظيمات المجتمع المدنىتلعب وسائل الإعلام دورا رئيسيا في سبيل تطوير روح المواطنة باعتبارها وسيطا ضامنا لشفافية تسيير شؤون الدولهفهي في المجتمعات الديمقراطية جزء مندمج في الحياة السسيوءسياسية ولها مكانة أساسية في الفضاء العام'لكن تبقى استقلاليتها هي الكفيل بطبيعة وطيفية عملها'حيث أن حرية التعبير في الدول الديمقراطية تسمح بهامش واسع لوسائل الإعلام أن تؤثر وبشكل كبير على القرارات العامهأما في الدول شبه الديمقراطية فان الدساتير تكرس حرية التعبير لكن تقف القوانين حجر عثرة أمام الممارسات الديمقراطية الفعلية من أجل التأثير في القرار وإيصال أصوات الجماهير الغفيرة للسلطة السياسية والمشاركة فيها. ()
ثورة المعلومات والاتصالات التي خلفت واقعا جديدا لم يعد في ظله بمقدور أي نظام سياسي مهما كانت درجة تسليطه أن يخفي ممارساته أو يحجب الحقائق عن العالم الخارجي،كما خلفت ما يمكن تسميته "بأثر العدوى في التحول نحو الديمقراطية". ()
وقد ساهمت العولمة في فرض واقع جديد على الحكومات والدول،وقد لعبت فيها الوسائل الإعلامية الجديدة دورا بارزا في تقوية صورتها ضمن المسرح السياسي والاجتماعي لكثير من المجتمعات في العالم،ومنها الدور الذي قامت به المنظمات الأهلية غير الحكومية على الساحة العالمية السياسية كقوة فاعلة ومؤثرة في المؤتمرات العالمية كمؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو ومؤتمر المرأة في بكين ومؤتمر و مؤتمر حقوق الإنسان في فينا ،()
وأبرز هذه المنظمات غير الحكومية منظمات البيئة كمنظمة السلام الأخضر...ومنظمة العفو الدولية و منظمة هيمن رايت لحقوق الإنسان والمنظمات النسائية العديدة ... فقد تزايد عدد المنظمات غير الحكومية تزايدا مضطربا خلال التسعينات،وأخذت تعمل بالاستقلال التام عن الدول التي لم تعد قادرة على التحكم في نشاط وعمل هذه المنظمات وتسعى هذه المنظمات إلى خلق المجتمع المدني العالمي الذي يراقب نشاطات وسياسات الدول في مجالات حقوق الإنسان والبيئة والقضايا الاجتماعية.
وفي ظل هذا التطور تعاملت الحكومات الوطنية بحذر شديد مع هذه المنظمات لما عرفت امتداداتها في الداخل ودورها القوي في التأثير على الرأي العام وقوة تجنيدها الجماهير.
وقد حاولت الحكومات الوطنية أحيانا كسب ود هذه المنظمات الفاعلة التي استفادت من الوضع العالمي الجديد الذي فرضته العولمة،وبعد أن عجزت أجهزتها الأمنية في كبح جماحها ،فوظفتها في المساهمة في تفعيل المشاركة السياسية .أما في الدول المتقدمة حيث كان المناخ ديمقراطيا فقد فرضت هذه المنظمات الأهلية نفسها كشريك أساسي في عملية صنع القرار بين التأثير أحيانا في الناخبين أو في فرض تشريعات تصب في صالحها.
كما تظهر قوة هذه المنظمات الأهلية سواء في داخل الدولة أو في امتداداتها الخارجية عبر تنسيقها الدولي باستخدامها بمفهوم حرية الإعلام في كسب المزيد من الأنصار.ومستخدمة لكل وسائل الإعلام والاتصال المتاحة كشبكة الانترنت من خلال فتحها لمواقع الكترونية أو متصدرة لعناوين الصحف عبر طرح نقاشاتها ومن أمثلة ذلك ما قامت به منظمات حماية البيئة في الضغط على الحكومة الألمانية لغلق مفاعلاتها النووية.
و في الوطن العربي حيث عملت بعض الجمعيات النسائية بالتعاون مع منظمات نسائية دولية في فرض تعديلات على قانون الأسرة وقوانين الأحوال الشخصية وغيرها.
وكان ذلك شكلا من أشكال الذي ساهمت به وسائل الإعلام وتكنولوجيات الإعلام الجديدة في تفعيل دور المشاركة السياسية لفاعلين جدد في صنع القرار في كثير من دول العالم.
وقد أدى هذا الوضع إلى جعل الناشطين في المجتمع المدني يكسبون قوة ضغط تأثير وضغط كبيرين على حكوماتهم .
الخـاتـمــة
في الأخير يجب التنبيه إلى آليات تفعيل المشاركة السياسية ،و يكون من الضروري العمل على فتح نقاشات علنية للقضايا السياسية و الاجتماعية ... عبر فتح قنوات للحوار بين السلطة و المجتمع المدني من خلال وسائل الإعلام ( الجرائد و الإذاعة و التلفزيون و الإعلام الجديد )
ء فتح نقاشات إلكترونية للرأي العام عبر المنتديات و المواقع الإلكترونية ، و هو المجال الذي يفلت الآن عن رقابة الدول و الحكومات و أجهزتها ، بل سيكون من المجدي الآن لما توفره هذه الوسائل التكنولوجية الحديدة أن تساهم الحكومات في إدارة هذه النقاشات لتحسيس المواطن بدوره الفعال في تناول القضايا التي تهمه و تهم وطنه في جو ديمقراطي بعيد عن المنع و المصادرة.
ء إتاحة المزيد من الحريات الإعلامية عبر فتح المجال السمعي البصري للقطاع الخاص ، و دعم الصحافة المستقلة في إطار المسؤولية الاجتماعية ، لأنه يستحيل الحديث عن المشاركة السياسية في غياب حرية التعبير و الرأي
--------------------
المشاركة السياسية على أنها ((تلك المجموعة من الممارسات التي يقوم بها المواطنون, أو بها يضغطون بغية الاشتراك في تنفيذ ومراقبة تنفيذ, وتقييم القرار السياسي اشتراكا خاليا من الضغط الذي قد تمارسه السلطة عليهم ))وهذا يعني أن للمواطن حقا ودورا يمارسه في صنع القرارات ,ومراقبة تنفيذها , وتقويمها بعد صدورها. فهي اذن مساهمة الفرد في أحد الأنشطة السياسية التي تؤثر في عملية صنع القرار و/أو اتخاذه، والتي تشمل التعبير عن رأى في قضية عامة، والعضوية الحزبية، والانضمام لمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني أو التعاون معها، والترشيح في الانتخابات، وتولى أي من المناصب التنفيذية والتشريعية. والمشاركة السياسية في أي مجتمع هي محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذي بات معلماً رئيسياً من معالم المجتمعات لمدنية الحديثة. " (1) محسن الندوي " حقوق الأطفال و الشبيبة".وتنقسم المشاركة السياسية إلى مستويات عدة فمن المشاركة الفاعلة في المجال السياسي عبر الانخراط المباشر في الأحزاب و الهيئات السياسية و تصدر المشهد و المنافسة و إعداد البرامج إلى "الإهتمام السياسي" الذي ينحصر في متابعة الشأن السياسي وخوض النقاشات و تتبع الفاعلين السياسيين دون ممارسة فعلية و عادة يكون هدف هذه الفئة هو تشكيل وعي سياسي يمكنها من الإختيار الصائب في الإنتخابات مثلا على أقصى تقدير .
كما نجد فئة "غير المهتمين" بالسياسة و هؤلاء لا يشاركون و لا يصوتون ولا يبذلون أي جهد في محاولة فهم ما يحدث إلا عند الأزمات الكبرى خوفا على مصالحهم. أما الفئة الأخيرة فهي "اللاسياسية" و هي الفئة التي ترفض المجال السياسي رفضا قطعيا وتنقسم إلى صنفين: بين اللامبالي و بين المتطرف تجاه المجتمع و تعتبر الفئة الأخيرة أن العنف هو السبيل الوحيد لإمتلاك السلطة و المنظم للعلاقات داخل المجتمع .
أزمة الشباب في العمل السياسي
وفقا لتعريف الأمم المتحدة، يشكل الشباب الناس الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 أي 18 ٪ من سكان العالم, في حين أن 1.2 مليار شاب ، سوف يزداد عددهم بنحو 72 مليونا بحلول عام 2025، وبالتالي فإن الجيل الحالي من الشباب هو الأكثر عددا من أي وقت مضى في التّاريخ. هذه الأرقام تكشف عن القوة الديموغرافية الهائلة التي يمثلها الشباب و التي تفرض على الدول و المنظمات الدولية الأخذ بعين الإعتبار القيمة العددية و ما تمثله من رصيد طاقي و معرفي عظيم، و أن تضع على سلم أولوياتها كيفية حسن استغلال هذا المورد البشري و تصريف طاقاته نحو مشاريع العمل و الإنتاج الصناعي و المعرفي. و من أجل ذلك كان لزاما على الدول أن تجعل من الشباب شريكا و قائدا و عنصرا فاعلا في إنجاح برامجها. و قد نجحت دول كثيرة في ذلك فلا غرابة في أن نجدها في مصاف الدول المتقدمة. بينما لم تقتنع حكومات أخرى بذلك في دولنا العربية، مع بعض التفاوت الطفيف أحيانا على مستوى تطور التشريعات، لكن واقعيا، مازال الكل يكابر من أجل مصالحه و هو ما يعيد ظهور سيناريوهات التوتر و الإحتقان الإجتماعي .
إن واقع الشباب العربي سياسيا شبه معدوم، لأن هذا القطاع المهم من المجتمع مغيّب عن المشاركة السياسية إما بقرار رسمي من الحكام أو من الشباب أنفسهم. و في بعض الحالات قد تعمد الأجهزة إلى تقويض حركتهم و تمنعهم من القيام بواجباتهم تجاه المجتمع « (2) د.مصطفى عبر القادر الشباب بين الطموح الإنتاجي و السلوك الإستهلاكي, المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر الطبعة 1 2004 لبنان الصفحة 6 . و رغم أن الوضع الحقوقي في كثير من الأقطار العربية تحسن بعد أحداث الربيع العربي و خاصة في مجال الحقوق السياسية، فإن المجال السياسي لازال يعاني من قلة مشاركة الشباب و يعود ذلك إلى سببين رئيسيين:
الأول، يتعلق بالمجال السياسي نفسه. حيث أن المتأمل لأحزاب ما بعد الثورة يرى بوضوح بنيتها الهيكلية البيروقراطية المرعبة و بهياكل تفتقد لروح التجديد و التشبيب. فالتسلسل الهيكلي للأحزاب العربية عموما لا يسمح بسهولة و مرونة بصعود الشباب إلا عبر مروره بعشرات الهياكل فلا يكون في الصف القيادي الا بعد تجاوز سنوات من العمل الحزبي المضنى و خوض صراعات حزبية بأليات بالية تعتمد على مفاهيم الولاء قبل الكفاءة. و حين يصل لا يكون قد مازال في شبابه الكثير. في واقع تتحول فيه الأحزاب إلى تجمعات عائلية و طبقية تعمل على حفظ مصالحها بعيدا عن المصالح الحقيقية للشباب فلا يجد الشاب مبتغاه فيها سواء من خلال ما تعلنه من أهداف (أدبيات قديمة و نصوص تأسيسية لا تتماشى و طموحات جيل الشباب الحالي) أو من خلال ما تمارسه من ممارسة سياسية حقيقية بتطبيعها مع الفساد و حفظ مصالح الكبار. تشكل الأحزاب عموما على ثقافة الزعيم الأوحد التي يفرض من خلالها منطق الوصاية على الشباب و يجعل منها شتاتا تجمع لمصلحة آنية. و بدل أن تضطلع الأحزاب بدورها في تأطير الشباب و رفع مستوى الوعي لديه ضمن مشروع وطني يهدف إلى بناء الفرد الوطني الديموقراطي نجد معظمها يستتقطبه ليجعل منه وقود حطب لمعارك القيادات التاريخية للحزب حول النفوذ. " فعلى قادة الأحزاب إدراك أن الشخصانية والتعنت والرغبة في تصدر المشهد من جانب، وانسداد قنوات التعبير داخل الأحزاب الكبرى، فضلا عن تشبث القيادات بمواقعها من جانب آخر، هما السببان الجوهريان لحالة الإقصاء غير المعلن للقوى الشبابية"(3) سمير حمدي مقال "الشباب التونسي و العمل السياسي" موقع الوطن بتاريخ 24/10/2017
فعند انتماء الشاب إلى أي حزب عموما، يجد أمامه ترسانة من "المناضلين" و القيادات التاريخية المستحوذة على مقدرات الحزب المادية و المعنوية ينظرون إليه نظرة الشيخ لتلاميذه الصبيان حيث يريدون من الشاب تحفيظه جملا كلاسيكية عفى عليها الزمن و يهيئونه ليخوض نيابة عنهم معاركهم. بينما تلهف روح الشاب إلى قضايا عصره و مشاكل أقرانه و هو الذي يعيش في زمن تطورت فيه وسائل التكنولوجيا تطورا سريعا, و تغيرت ملامح المجتمعات العربية بفضل تطور وسائل الإنتاج الحديثة و ظهور مشاكل و تحديات جديدة أهمها البطالة و الأزمات المالية الخانقة و الإرهاب و الهجرة السرية و المخدرات و مشاكل البيئة و المحيط. فيجد نفسه في صراع أجيال حامي الوطيس من أجل فرض وجوده و رؤيته صراع يستنزف قدراته النفسية و البدنية. والنتيجة، غياب الشباب كهدف و وسيلة في برامج الأحزاب حيث يقتصر الحديث عنه في المناسبات السياسية كالانتخابات و النظر إليه خزانا إنتخابيا وجب تشجيعه فقط على الإنتخاب و ليس الترشح مثلا من أجل مشهد إنتخابي أكثر شرعية.
الثاني و هو المتعلق بالشباب، بعد عقود من السياسات التي سعت إلى إلهاء الشباب عن قضاياه الحقيقية و تصريف طاقاته فيما لاينفع. و في بلدان تسيطر عليها ثقافة العولمة و الاستهلاك ، لم يعد يجد الكثير من الشباب القدرة في نفسه على مواجهة واقعه السيئ سوى بحلول الهرب إلى الأمام كالهجرة أو الإنضمام إلى الجماعات المتطرفة و التي في جزء منها هي تعبير عن رفضه للمجال السياسي. وهناك اتفاق عام، سواء في دول الشمال أو الجنوب، على أنه، وربما أكثر من أي فئة اجتماعية أخرى، أن الشباب هم أكثر من يواجه حالات عدم اليقين التي ولدتها العولمة الاقتصادية والثقافية. وفي حين أن الانتقال إلى مرحلة البلوغ، والذي يحدد طبيعة حياته في وقت لاحق، يمكن أن يشهد فترة من الفرص والنهوض، الا أن أغلب الشباب يواجهون أوضاعا أكثر خطورة من أي وقت مضى. إن الشباب بما هو طاقة جامحة تواقة للفعل و التأثير و لعب دور الأبطال و الحالمين بمستقبل أفضل تكون فيهم أوطانهم أكثر مناعة يميلون إلى الحلول السريعة و الراديكالية أحيانا, و هو ما قد يتصادم مع طريقة التفاعل داخل المجال السياسي الذي تضبط قانون اللعبة داخله موازين القوى المحلية و الإقليمية و الدولية، التي تفرض عليك ما تكره فعله من مناورات و خطوات للخلف و خطاب هادئ يفرض عليك التنازل ، و هذا عموما لا يطيقه الشباب في كثير من الأحيان. ويتجلى غياب الشباب في المجال السياسي من خلال عديد الإحصائيات التي أجريت في كثير من البلدان العربية حول إنخراطه في الأحزاب السياسية و الحملات الإنتخابية و التي سجلت عزوفا كبيرا و خيبة أمل أكبر للشباب في نخبته السياسية الحالية. كما يلاحظ جنوح الكثير منه نحو منظمات المجتمع المدني لما تتمتع به من مرونة و تشكيل حركات احتجاجية بين الفينة و الأخرى و التي تكون شبابية القيادة و الأهداف. ولكنها تبقى بعيدة عن اعتبارها مشاركة سياسية. واجمالا، فإنه"ليس متاحا للشباب العربي في معظم الدول العربية الانخراط في العمل السياسي عبر المؤسسات .ذلك أن الفساد السياسي والإداري ضارب في غالبية المؤسسات السياسية ,وهو واقع لا يقابله الشباب العربي بغير النفور والاستياء, في غياب القدرة على التغيير. وإزاء هذا الواقع..., يضع الشباب العربي نصب عينيه الهجرة سبيلا للخلاص." (4)من مقال لحسام مغرس في مجلة الإتحاد الاشتراكي المغربي (23/02/2015)
هل الحل في المشاركة السياسية ؟
إن النقاش حول العلاقة بين الشباب والمشاركة السياسية يجب أن يكون ضمن الأهداف الاستراتيجية للدولة والأحزاب السياسية ومنظمات «المجتمع المدني»، في إطار خطة عمل لا ترتبط بالأجندات الانتخابية أو رهانات رفع نسبة المشاركة فقط، بل عليهم وضع الإشكالية ضمن رؤيتهم الشمولية للإصلاح ، أو ربط إشكالية المشاركة بخطط الإصلاح. فلا إصلاح دون أن يكون الشباب في صلبه ليس فقط كفئة مستفيدة، بل كقوة اجتماعية وديمغرافية لها الحق في الاقتراح ، وهو الأمر الذي يجب أن ينتبه إليه الفاعلون السياسيون.
فالإصلاح يجب أن يكون أولا عبر: إدراك أن عزوف الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية هو في الحقيقة عزوف عن "وعي" منه و هي رسالة احتجاج منه إلى الفاعلين السياسيين بأن ينتبهوا إلى مطالبه. أن هذا الشباب هو خزان الوطن و أن سياسات الإقصاء و التهميش و الإلقاء به إلى أحضان ثقافة العولمة و التغريب القسري هو ضرب للوطن نفسه و تهديد حقيقي لبقاء أي نظام سياسي. إصلاح المجال السياسي عبر إصلاح الأحزاب أولا التي تأثرت بمناخات الإستبداد طيلة عقود حتى تلك التي كانت رائدة المعارضة السياسية للأنظمة القائمة فهي نفسها تفتقد إلى مناخات من الحرية داخلها و إلى قوانين حديثة تنظم العلاقة داخلها . فبناء مشروع وطني جامع ديموقراطي بروح شبابية طموحة يكون فيه الشباب مقتنعا بوضع نفسه على ذمته لا كتابع. وسن التشريعات التي تحمل بين جنباتها الآليات الكفيلة بخلق مناخ لزيادة مشاركته في الحياة السياسية مع إعادة تعريفه كفترة عمرية وفق ما تقتضيه المواثيق الدولية. فلا يعقل أن نجد في بعض البلدان "الشابة ديموغرافيا" يعتبر فيها من هو بسن 40 شابا. ومن هنا وجب العمل على تقوية العلاقة بين الشباب والهيئات السياسية عن طريق تنظيم برامج لزيارات الطلاب إلى البرلمان لمتابعة العملية التشريعية مثلا،و التوسع في نشر برامج برلمان .ودعم مشاركته في العملية الانتخابية من خلال زيارة عدد من مرشحي الحزب من الشباب في الانتخابات العامة والمحلية، وتحفيزه على المشاركة في الانتخابات، وتسهيل إجراءات الحصول على البطاقة الانتخابية والانتخاب. و تنمية الثقافة السياسية لديه بمراجعة مناهج التربية .
خاتمة
إن الوضع الحالي للدول العربية و تغييبها للشباب في الشأن العام هو خسارة كبرى. وإن من شأن توليه المناصب القيادية يحول المؤسسات إلى أداة فعالة ديناميكية تتميز بالحركة و المرونة من خلال تطوير الشباب لأدوات فعلها في الواقع بتطوير قوانينها و وسائل التواصل و التفاعل مع الناس. كما يساهم ذلك في تجنب الحلول اليائسة كالهجرة السرية و العلنية (هجرة العقول ) أو المخدرات أو الإنتماء لتنظيمات إرهابية .
Ei kommentteja:
Lähetä kommentti