lauantai 1. maaliskuuta 2014

الحسن الثاني

.
      فهذا العرش العريق الثابت على تبدل الظروف والأزمان لا يحمله غير القلوب ولا يحرص عليه ويحميه بعد الله سوى ما يكتنز في رحاب وجدان الأمة المغربية من أعلاف المحبة وذخائر الوفاء والولاء.
    احتفلت الأمة المغربية، يوم ثالث مارس، في جو من البهجة والحبور، بالذكرى الخامسة والعشرين لتربع مولانا أمير المومنين جلالة الملك الحسن الثاني –أيده الله ونصره- على عرش أسلافه الميامين، وبهذه المناسبة ألقى جلالته خطاب العرش، وفيما يلي النص الكامل لهذا الخطاب:
    الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
    شعبي العزيز:
    ألفنا كل عام، وما أجمل وأسنى ما ألفنا، أن نحتفل في مثل هذه الأيام بذكرى حلول عيد العرش، وهو العيد الذي أسسه النضال الوطني تحت أسنة الاستعمار، وشرعه الطموح إلى استئناف حياة الكرامة والحرية والاستقلال، وإن احتفالنا اليوم بذكرى جلوسنا على عرش أسلافنا المقدسين إن كان امتدادا للعادات الجميلة التي سنها والدنا جلالة الملك محمد الخامس – طيب الله ثراه ورضي عنه وأرضاه- وتمجيدا لذكرى ذلك اليوم الذي تم فيه اللقاء المعلم الكريم بيننا وبينك، وأنعم الله علينا باستلام مقاليد أمورك- إن كان احتفالنا هذا كله –فهو احتفال وسمته العناية الإلهية
لقد دخل المغرب دائرة الحضارة يوم دخل في دين الله ويوم جعل كتاب الله وسنة نبيه ورسوله دليل حياته الذي لا يخطئ ولا يزيغ.
    في يومنا الأغر هذا بسمة خاصة، وأضفت عليه حلة من الرواء سابغة ممتازة، ذلك أن طلعة عيدنا هذا شاء الله العزيز الوهاب أن يصادف إشراقها انصرام خمسة وعشرين عاما على إسناد الله إلينا مسؤولية تصريف شؤونك واجتلاب الهناء والسعادة لك ولأبنائك.
    وإذا كنا نحتفل كل عام في مثل هذا الوقت فرحين مستبشرين، أشد ما يكون الفرح واستبشار، بجميع ما يرمز إليه عيد العرش من معاني اجتماع الكلمة واتحاد المقاصد والغايات وتوافق الإرادات وتبادل الثقة والإخلاص والوفاء وتقاسم المحبة والإعزاز والالتزام المشترك بين الراعي والرعية بالقيم والمثل التي كانت وما تزال قاعدة أصلية لأمجاد البلاد طريقها وتليدها، إذا كنا نحتفل كل عام وقلوبنا طافحة بالارتياح والابتهاج بجميع هذه المعاني، فإن هناك اليوم سببا آخر يكسب هذا الارتياح وهذه المسرة بعدا مديدا لا تحده حدود ولا يحيط به مقياس، ذلك هو الاستمرار الثابت المكين المحفوف من البركة واليمن بأوفى نصيب، السائر على طول خط مستقيم على امتداد خمسة وعشرين عاما.
    فالحمد لله الذي أسدى نعمة هذا الاستمرار، ووالي لنا خلاله من جزيل أياديه البيضاء وبديع عوارفه الغراء ما هيأ لنا أسباب العمل المثمر، وكفل لجهودنا المتلاحقة المتكاثفة الأثر الذي تراه الأبصار، وتدركه البصائر، والعاقبة التي تحمدها العقول والضمائر، ولولا ما أفاض الله عليك شعبي العزيز من عطاء الشيم والمزايا، وألهمنا إياه بمنه وكرمه من صواب ورشاد، وهدانا إليه من فعل قويم وسداد، لتعذر المطلوب واستحال وخابت المقاصد والآمال.
    لقد أشاع الله في قلبك الرغبة في العمل الجاد، وحبب إليك الإجادة والإتقان، ومكن من نفسك الطموح إلى الغايات البعيدة، وطبعك على الإخلاص والوفاء لأسمى المبادئ والمثل وأكرم الأخلاق والقيم، وقضيت مشيئة الله أن يتعبأ لصالح الوطن والمواطنين كل ما أقسم الله لنا ولك من خصائص وخصال ما أشاع بيننا وبينك من عاطفة متبادلة راسخة قوية، وأنشأ بيننا وبينك من آصرة وثيقة مستحكمة.
    فما أكثر ما مهدناه نحن وأنت من سبل، ومددناه من أسباب، وأقمناه وأنزناه من معالم، وأعليناه من بنيان وانتهينا إليه من مكاسب ناضرات في مختلف الوجوه والمجالات، على رغم ما اعترض في بعض الأحيان من مصاعب، وانتصب في الطريق من عقبات، وما أكثر ما صعدنا نحن وأنت على امتداد هذه الفترة البالغة من شبابها خمسة وعشرين عاما إلى المرافق الرفيعة والقمم الشامخة. وكنت ركنا في دأبك وحرصك ومواقفك ومواقفنا، مصدرا لتألق البهجة والسعادة في نفسنا ونفسك ومنبعا للإحساس الغامر بالفخر والاعتزاز.
    إن تاج المغرب شعبي العزيز لا تقدر قيمته ولا تقاس بقيمة النضار أو الفرائد الثمينة والأحجار الكريمة، ولا بمهارة الصائغ وقدرته على الإبتكار والإبداع، فما تاج المغرب بمصوغ من عسجد وزمرد ولآلئ ويواقيت، ولا هو وليد فن صناع، وإنما هو تاج اكتسب على توالي الأعوام واختلاف الظروف والأحوال قيمته الكبرى من ذخيرة النقائب والفضائل الشائعة في عامة أمة هذا الوطن وخاصتها ، ومن الرصيد الثري الفاخر المتألف من المشاعر العميقة المتبادلة بين الملك وشعبه، ومن الأواصر الوطيدة الواصلة بينهما.
    وعرش بلادك شعبي العزيز شأنه وشأن تاجها سيان لا يختلفان، فهذا العرش العريق الثابت على تبدل الظروف والأزمان لا يحمله غير القلوب، ولا يحرص عليه ويحميه بعد الله سوى ما يكتنز في رحاب وجدان الأمة المغربية من أغلاق المحبة وذخائر الوفاء والولاء.
    وإذا كانت البلاد تستمد مآثرها وأمجادها من عرشها الذي أضاء وما زال يضيء بحمد الله فصول تاريخها، فإن هذا العرش قوي مكين بما أمده الله به من قوة، وبما أودعه الله وغرسه في قلوب الشعب من حب مقصور على العرش لا يتناقص ولا يتضاءل.
    وإن وطنا شعبي العزيز تقوم على شؤونه وترعى مصالحه وحدة متراصة كهذه الوحدة التي تضافرت أنت وعاهلك على إحكامها لخليق بأن يبلغ أعز مطامحه وأغلى أمانيه.
    فهنيئا لنا جميعا شعبي العزيز بهذا العيد السعيد الذي أصبح علما بارزا في مرابع أفراحنا ومسراتنا، وهيأ الله لبلادنا بتوفيقه وتيسيره أسباب التقلب المتواصل في نعماء رخاء العيش وطمأنينة القلوب.
    تابعت شعبي العزيز من خلال ما قدمته وسائل الإعلام المختلفة، ما قمنا به طوال العام المنصرم من أعمال متلاحقة في الميادين التي تتصل بشؤوننا الداخلية أو بالمجالات الأخرى التي تصطبغ قضاياها بالصبغة الدولية، وقد لاحظت شعبي العزيز أن نشاطنا في هذه الميادين والمجالات كان كثيفا شديد الكثافة، امتد إلى شؤون بلادنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،  كما امتد إلى القضايا التي تسترعي اهتمام العالم بأسره، وبصورة أخص اهتمام العرب والأفارقة والمسلمين.
    وليس في نيتنا أن نستعرض في خطابنا هذا جميع ما اتجهت إليه العناية، ووقف عنده الاهتمام مدة عام كامل، فذلك أمر يقتضي الإسهاب والوقوف الطويل، وتفاديا من الإطالة فإننا كعادتنا في مثل خطابنا هذا، سنجمل القول ونركز الحديث حول بعض المواضيع فحسب، تاركين للنشرات والمراجع التي تعدها وتسهر على طبعها ونشرها وزارتنا في الإعلام مهمة تقديم الصورة الكاملة معززة بالإيضاحات المفصلة.
    عقب احتفالنا بالذكرى الرابعة والعشرين لجلوسنا على عرش أجدادنا المقدسين، ولما يمض على عيد العرش إلا بضعة ايام، قمنا كما تعلم شعبي العزيز بزيارة لأقاليمنا الجنوبية، برا بوعد كان صدر، وتجديدا للزيارة التي قام بها لأرض الصحراء جدنا المقدس المولى الحسن الأول، طيب الله ثراه، ونزولا على عالج شوق كان يلح علينا إلى لقاء أبنائنا في الأقاليم الجنوبية.
    ومنذ اللحظة التي شرعنا نطأ فيها تراب هذه الأقاليم، أخذ هؤلاء الأبناء كبارهم وصغارهم رجالهم ونساؤهم يفتنون ما وسع الافتتنان في الإعراب لنا عن ترحيبهم الحار المتحمس، وعن حفاوتهم العظيمة التي يعز نظيرها ويستعصى علي الوصف نعتها وتصويرها. وقد وافق ركابنا في كل مكان سيل عارم من مشاعر الحب والتعلق والولاء، تدفقت متقدة متأججة في كل مسلك سلكناه، لم تضعف ولم تخب في لحظة من لحظات مقامنا بديارنا الصحراوية، واتخذ أبناؤنا هذه الزيارة وسيلة جديدة  ناهضة بالبرهان القاطع الذي لا يقبل الجدال، لتأكد مغربيتنا عبر احتفائهم المشهود بما يرمز إليه شخصنا دينيا ودنيويا ودستوريا وتاريخيا.
    وقد كان لهذه الحفاوة وهذا الترحيب مكانة استفتاء لتقرير المصير. كما كان له عميق الأثر في نفسنا وبليغه ولم يفاجأ في الواقع بهذا البيان العاطفي الذي أعلنه سكان الصحراء للعالم أجمع، وبهذه الأفراح التي أثارها اللقاء التاريخي المتمثل في الزيارة التي قمنا بها، إلا الذين لا يعرفون المغرب معرفة وافية ولا ينفذون إلى أعماق المغاربة وحقائقهم الراسخة، أما نحن فقد كنا نتوقع متفائلين مستبشرين أن يتخذ أبناء صحرائنا الأعزاء من زيارتنا مناسبة لكتابة هذه الصفحة الناصعة المشرفة، وضمها إلى سجل مفاخرنا وأمجادنا.
    وفي مرة هذه الأفراح اجتمعنا برعايانا الأوفياء في الأقاليم الجنوبية، وتعرفنا إلى أحوالهم واستمعنا إلى رغائبهم وأمانيهم، ودشنا جملة من المنجزات العمرانية والاجتماعية والاقتصادية لصالحهم، وألقينا أمام المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء، والمجلس الجهوي للمنطقة الاقتصادية الجنوبية، خطابا استهدفنا من ورائه توعية الأفكار وتنويرها، ورفع الستار عن طائفة من الحقائق التاريخية كانت مطوية لم يكشف عنها قبل ذلك.
    وفي أثناء هذه المرحلة الميمونة تفقدنا أحوال ضباطنا وضباط الصف وجنود القوات المسلحة الملكية الذين يرابطون في الصحراء، متأهبين باستمرار للدفاع عن التراب الوطني وصد كل معتد أثيم، وقمنا بزيارة للموقع العسكرية الأمامية لخط الدفاع جنوبي بوكراع، كما تفقدنا بعض نقط الدعم في الجدار الأمني العتيد، واستفسرنا عن الأحوال وظروف العمل العسكري، فاستخلصنا من اتصالنا بأبنائنا الضباط الصف والجنود ومما شاهدناه وسمعناه ما قرت به العين وانشرح له الصدر، وستبقى الذكريات التي حملناها من هناك عالقة في الوجدان.
    وكانت رحلتنا فرصة مواتية اغتنمها مجلس النواب فقعد بمدينة العيون دورة استثنائية، وفي جلستنا التاريخية هذه استمع المجلس إلى مدخلات رؤساء الأحزاب السياسية وممثلي المنظمات النقابية الذين أكدوا بالإجماع مواقفهم المبدئية من الوحدة الوطنية ووحدة التراب ووحدة المصير، وهكذا اجتمع المغرب كله في عاصمة الساقية الحمراء بمناسبة حولنا بالأقاليم الجنوبية، ممثلا في السلط والهيئات والجماعات والأفراد، وبرز للناظرين ملتئم الشمل والكلمة، متحد المواقف من القضايا المصيرية.
    شعبي العزيز:
    ليس بعازب عنك ما نعقده من آمال بممارسة الديمقراطية في بلادنا، أننا مقتنعون أشد الاقتناع بفضائل الديمقراطية الحقة، ولذلك فإننا نطمح إلى أن تنتهج الديمقراطية في وطننا أقوم السبل، وأن تصل إلى ما نبتغيه لها من غاية، ومن أجل هذا أيضا فإننا نتابع باهتمام كبير نشاط مجالسنا المنتخبة، ونراقب عن كثب ما تسهم به من حظ في تعزيز وتوطيد الاختيار الديمقراطي.
    إن المغرب الذي اختار أن يعيش في كنف القانون وفي ظل سلطانه، وحدد لأبنائه الحقوق والواجبات، وشرع لهم الحريات، ووسع صدره لتعدد المنظمات السياسية والنقابية، وأحاط هذه الحريات والحقوق بسياج من الصيانة القانونية والاحترام، إن مغربنا هذا لحريص كل الحرص على أن تقوم المؤسسات الدستورية بالمهام الموكولة إليها بحكم الدستور الذي هو أسمى قانون.
    وفي نطاق اهتمامنا هذا، سايرنا بعناية فائقة منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، وانطلاق أعمال مجلس النواب الذي تولد منها، أعمال هذا المجلس سواء منها ما تم في مستوى اللجان البرلمانية، أو في مستوى الاجتماعات والمناقشات العامة، والأسئلة والأجوبة والاتصالات الدولية المباشرة داخل حدود التراب الوطني أو خارج هذه الحدود، ولقد سررنا سرورا كبيرا أن يعكف المجلس في لجانه أو جموعه على دراسة مشاريع القوانين، ومقترحات القوانين ويستمع على وجهات نظر الحكومة، ويناقش آراءها بحرية كاملة كما سررنا سرورا بالغا أن يمارس مجلس النواب ما له من حق مراقبة الجهاز التنفيذي من خلال الأسئلة المختلفة التي يوجهها إلى أعضاء الحكومة، فيما هو منوط بهم من إدارة وتدبير، ومن خلال الأجوبة التي يتلقاها، ولقد أسفر عن محمود النتائج هذا الحوار الذي استمر إيجابيا بين الحكومة ومجلس النواب الذي نرغب رغبة أكيدة في أن يتواصل مثمرا مزدهرا في مجال دراسة المشاريع والمقترحات القانونية وفي مجال الاستفسار والتفسير والاستيضاح والتوضيح.
    وإن من أسباب ابتهاجنا إلى هذا أن مجلس النواب شارك بصورة تدعو إلى الارتياح، في مؤتمرات دولية وفي أعمال الاتحادية البرلمانية، وباشر اتصالات ببرلمانات في العالم كله، واستقبل شخصيات سياسية عالمية، وزار أعضاؤه عواصم كبرى، حيث استقبلوا من رجالات السياسة فيها.
    ولنا راسخ اليقين بأن أعضاء مجلس النواب سيستفيدون أجل الفوائد من ممارسة الأعمال النيابية، ومن ملابسة واقع البلاد ومشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن المشاركة في اللقاءات الدولية، ومن الاتصالات بالشخصيات المرموقة ذات الخبرة والتجربة السياسيتين.
    ولنا اليقين من جهة أخرى بأن الفوائد التي يستفيدونها على هذا النحو، ستعود بأحسن العوائد على مستوى أعمالهم، وبالتالي على شؤون بلادهم.
    ولا مراء في أن هذه الوجوه المختلفة من نشاط مجلس النواب، من شأنها أن تقدم الممارسة الديمقراطية وتفضي بها إلى الشأو الذي يرضي طموحنا، ويجعلنها حقيقة طبيعية ملازمة لحياة مجتمعنا.
    جدت شعبي العزيز خلال السنة المنصرمة في الساحة العربية أحداث جعلتنا ونحن نضطلع برئاسة قمة الدول العربية، نعتقد ضرورة اجتماع مؤتمر قمة عربية استثنائية، وبعد مشاورات واتصالات تم انعقاد هذا المؤتمر في مدينة الدار البيضاء، ومضت بضعة أشهر فجدت أحداث في الساحة الإسلامية أقنعتنا بوجوب اجتماع لجنة القدس، وتم بالفعل كما تعلم انعقاد هذا الاجتماع بمدينة مراكش، بيد أننا في الفترة الفاصلة بين الاجتماع الأول والاجتماع الثاني، قمنا بزيارة رسمية لفرسنا، ونود شعبي العزيز أن نلم في خطابنا هذا بموضوع زيارتنا القمة الاستثنائية، ثم بموضوع اجتماع لجنة القدس وسنقف إن شاء الله بعد ذلك عند موضوع لزيارتنا لفرنسا، وإذا كان هذا الترتيب لا يراعي النسق الزمني، فما ذلك إلا لما بين الاجتماعين من صلة نسب وقرابة.
    لقد اعتمدت أول الأمر دعوتنا إلى عقد القمة الاستثنائية، على الحالة التي كان يمر بها لبنان الشقيق آنذاك، والعواقب الوخيمة التي كان من المتوقع أن تنجم عنها، كما اعتمدت على وضع الفلسطينيين في لبنان، ثم تبين لنا بعد تحليل عميق لما نقله إلينا مبعوثونا، ولما راج من محادثات مباشرة بيننا وبين كثير من أشقائنا، أن حالة لبنان ووضع الفلسطينيين إن هما إلا مظهر من مظاهر وضعية عامة، تنتظم وضعية الأمة العربية في مجموعها، والحالة التي توجد عليها العلاقات القائمة بين دولها، وصح لدينا بعد الفحص والتحليل وبعد الاستخلاص والاستنتاج أن القضايا التي تتصدر الأولويات في نظر الجميع، ويجب ان تكون موضوع مناقشة صريحة بيننا هي:
    أولا: الأوضاع السائدة في حظيرة الأمة العربية، وضرورة تنقيتها من كل ما يشوب صفوفها.
    -ثانيا: القضية الفلسطينية التي يجب أن تكون محل دراسة في ضوء مخطط فاس وضمن إطاره.
    وانطلاقا مما سلف، ومن الضرورة الحتمية القاضية بتوافر الأمة العربية على وزن، تحديد مصير العالم، ومن وجوب إسهامها بنصيبها في الانفراج الدولي في وقت كانت الاستعدادات جارية لاجتماع يضم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وزعيم الحزب الشيوعي السوفياتي، وحتى لا تعرض نفسها إلى أن تكون غائبة عن الساحة الدولية، وأجنبية عما يتقرر دون مشاركتها، فقد وجهنا إلى أشقائنا الدعوة إلى عقد قمة بالمغرب، وضمناها كأساس لجدول الأعمال النقط التي استقر عليها رأينا ورأي كثير من أشقائنا، مشفوعة على وجه التفصيل والتوضيح بالاعتبارات الآنفة الذكر.
    وانعقدت القمة في مدينة الدار البيضاء، وتوالت أعمالها طيلة ثلاثة أيام دراسة أهم القضايا العربية في جو الإخاء والتفاهم والحرص على الحقوق والمصالح العربية المشتركة وأولى المؤتمر موضوع تنقية الأجواء كامل عنايته، لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة، وأكد إيمانه بضرورة التضامن بين الدول العربية، لاسيما في الظروف العصيبة التي تتطلب حشد طاقات الأمة ونبذ خلافات بين دولها، وأصدر المؤتمر في نهاية أعماله بيانا مستفيضا حافلا، تضمن القضايا والمشاكل التي تسترعي الاهتمام، ونقص المضاجع كما تضمن الوسائل والتدابير الكفيلة بتقوية الصف العربي وتوطيد عرى التضامن بين الأقطار العربية، والمساعدة على تحقيق العدل والإنصاف ونشر الأمن والسلام.
    وفيما يتصل بهذا المضمار، عهدت القمة الاستثنائية إلينا بمواصلة الاتصالات على الصعيد الدولي لتوضيح القضايا العربية، وخاصة بمناسبة اجتماع الرئيسين الأمريكي والسوفياتي بجنيف، فراسلنا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وزعيم حزب الشيوعي السوفياتي، ووافانا من كل واحد منهما نص الجواب على خطابنا.
    وما نظنك شعبي العزيز في حاجة إلى أن نذكرك اليوم بجميع ما اشتمل عليه البيان الختامي، فقد وقفت لامحالة عنده طويلا فور صدوره، حتى استوعبته، ويكفي أن تعلم أنه كان حصيلة اجماع الأشقاء الذين شرفوا المغرب وشاركوا في أعمال القمة الاستثنائية.
     صدر وكأنه نتيجة إجماع الأقطار العربية قاطبة، ذلك أنه يجسد ما للعرب أجمعين من اهتمامات ورغبات وتطلعات فلم يرد فيه ما يمكن أن ينكره أو يعارضه عربي يبتغي الصلاح والخير لأمته، بل هو ربح وانتصار للعرب، وهو من أجل هذا يعكس ارتقاء الأمة العربية المجتمعة في الدار البيضاء بالحاضرين في قمتها وبالغالبين عنها على حد سواء إلى مستوى الأحداث ومستوى المستقبل الذي تريد أن تصنعه لنفسها ولأمم الدنيا جمعاء.
      أما اجتماع لجنة القدس فقد انعقد كما هو معلوم في مدينة مراكش، خلال الأيام  العشرة الأخيرة من شهر يناير الماضي، بدعوة منا بوصفنا رئيسا لهذه اللجنة.
    ولقد أهاب بنا إلى توجيه هذه الدعوة ما أقدمت عليه مجموعة من أعضاء الكنيست الإسرائيلي من اقتحام للمسجد الأقصى، تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، وانتهاك لحرمته، وشعرنا عندما وافانا هذا النبأ بأن الصهاينة ماضون في تطبيق خطة مدبرة لتهويد القدس، واستئصال هويتها العربية والإسلامية، وطمس المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وحز في نفسنا هذا الاعتداء كما حز فيها ما تعرض له المسجد الأقصى من قبل، وأبينا إلا أن تقوم الأمة الإسلامية ممثلة في لجنة القدس، بما يجب من مواجهة لهذا التحدي الجديد، وتدارست لجنة القدس هذا الموضوع بإمعان، واقتنعت كل الاقتناع، بما يمكن أن يترتب على هذه الاعتداءات الصهيونية المتكررة، من أخطار ومن آثار عميقة سيئة في النفوس، ومن ردود فعل حادة.
    واقتنعت من جهة أخرى، بضرورة تحلي الأمة الإسلامية باليقظة والحذر والإيمان، وبوجوب الإنصاف بمزية المصداقية ومزية الحفاظ عليها، فاستعرضت جميع الطرق والوسائل الخلقية بفضح الانتهاك الصهيوني، واقناع الرأي العام العالمي الديني والسياسي والفكري بأن هذا التصرف الهادف إلى تغيير معالم القدس وتفويض الهوية العربية الإسلامية فيها عمل مخالف للقرارات الدولية..
    كما استعرضت الطرق والوسائل الكفيلة بدعم نضال الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، تعزيزا لصموده فوق أرض وطنه، وضمنت جميع ما استقرت عليه آراء أعضاها توصيات عملية، طبعها في نهاية المطاف طابع الدلالة الكبيرة على تبصر الأمة الإسلامية ووعيها واستمساكها بمقدمات أولى القبلتين وثالث الحرمين.
    وحللنا شعبي العزيز، في أواخر شهر نونبر السالف بعاصمة فرنسا، ملبين بهذه الزيارة دعوة وجهها إلينا صديقنا الكبير فخامة الرئيس السيد فرانسوا ميتران رئيس الجمهورية الفرنسية، ومعها نقل مشيدين ومنوهين فيما قوبلنا به عند وصولنا لباريس وطول مقامنا في هذه العاصمة المتألقة المشعة من ترحيب حار جميل وحفاوة بالغة كريمة، فلن نوفي الاستقبال الذي أحاطتنا وخصتنا به فرنسا رئيسها ومسؤولوها وشعبها حقه من عطر الثناء وواسعه.
    لقد حللنا بباريس ملكا لبلد تصله بفرنسا صلات صداقة عريقة متينة، واستقبلت فرنسا فينا بالإضافة إلى ملك البلد الصديق رئيس القمة العربية ورئيس المؤتمر الإسلامي ورئيس لجنة القدس، وتفضلت فأبرزت ما نضطلع به مخلصين من أدوار في الصعيد الوطني، والصعيد العربي والصعيد الإسلامي، وسعدنا نحن بالاتصال من جديد بصديقنا الكبير فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية السيد فرانسوا ميتران، وهي الدولة الأوربية العظيمة ودولة البحر المتوسط ذات الشأن المرموقة، والدولة الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وسعدنا من جهة بأن يتجدد لقاؤنا بالرئيس الذي احتج بشجاعة غاضبا مستنكرا الاعتداء الذي أفضى سنة 1952 بجلالة محمد الخامس رمز السيادة المغربية وأعضاء أسرته إلى المنفى السحيق، سررنا سرورا عظيما خلال مقامنا بفرنسا بالاتصال مرة أخرى بصديقنا الحميم السيد جاك شيراك عمدة باريس، الذي استقبلنا بقصر بلدية العاصمة استقبال مودة خالصة وتقدير كبير.
    وصادف وجودنا في باريس انعقاد الفرنسية الإفريقية، فشاركنا في أعمالها كعضو كامل العضوية بعد قبولنا فيها بإجماع الدول الإفريقية، وكانت هذه القمة مناسبة طيبة تأكدت فيها عرى المودة بيننا وبين إخواننا وأصدقائنا رؤساء الأقطار الإفريقية، وكان من أسباب ابتهاجنا بالإضافة إلى ما سلف، تجديد العهد بعدد كبير من الأحباء والأصدقاء الفرنسيين، الذين طال صيتهم وذاع ذكرهم في عالم السياسة أو عالم الفكر والثقافة.
    ولست في حاجة شعبي العزيز إلى أن نؤكد لك شوقنا كان كبيرا إلى أفراد جاليتنا المقيمة بفرنسا، ولقد أنعم الله علينا فيسر الاتصال بهم مرتين هناك، وأسعدنا بالتحدث إليهم والتعرف إلى ظروف حياتهم وحياة أبنائهم، والإطلاع على سائر أحوالهم، وأثلج صدرنا كثيرا ما بلغنا عنهم من طيب الذكر وجميل الأحدوثة، وقد أتاح لنا هذا الاتصال فرصة استرعاء انتباههم إلى ما ينفعهم، وإسداء النصح لهم وتوجيه اهتمامهم في مهجرهم، الوجهة الكفيلة بتقوية ما يتمتعون به من سمعة حسنة.
    أما المواضيع التي دارت حولها المحادثات بيننا وبين فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية وبيننا وبين السادة المسؤولين الفرنسيين والسيد عمدة باريس، فقد تعلقت بقضايا التعاون الثنائي وتوسيع المجموعة الاقتصادية الأوربية بانضمام اسبانيا والبرتغال إليها، وقضايا الشرق الأوسط، والمشاكل الجهوية والإفريقية. كما تعلقت بقضية صحرائنا المغربية وقضية الهجرة ومشكل الإرهاب.
    وعلى رغم تعدد هذه القضايا والمشاكل واختلافها، فقد امتلأت نفسنا بالارتياح الكبير إلى نتائج المحادثات التي أجريناها. ذلك أن جو التفاهم قد سادها كلها، وامتازت بالحوار البناء وتجاوب المشاعر والأفكار.
    شعبي العزيز: يتفق اليوم احتفالنا بالذكرى الخامسة والعشرين لجلوسنا على عرش أجدادنا المقدسين مع إحياء لذكرى مرور ثلاثين عاما على استقلال المغرب، وإذا كنا نستحضر كل عام في عيد عرشنا الملحمة التي كتبها جلالة محمد الخامس طيب الله ثراه بإمانه وصبره ومصابرته وجهاده، فإن هذه الملحمة أقوى حضورا اليوم في نفوسنا، وأكثر إشراقا في أجوائنا، وقد استكمل الظفر بالاستقلال ذكراه الثلاثين، لقد كان جلالة والدنا محمد الخامس –نور الله ضريحه ورضى عنه وأرضاه- النور الوهاج الذي أشع في حياتنا الوطنية، فأشرقت به آفاق النفوس، واستنارت بنوره رحاب العقول والضمائر، فعرفنا بإرشاده وهدايته، وما أجل وأسنى ما أدركنا على نبرات بذله وعطائه، لقد يسر العسير، وقرب البعيد، وسهر لتنام، وكذا لتسريح، وكابد الشدائد والآلام ليأمن سربنا، وبهذا بالنا ويسعد حالنا، فتهدلت الغصون اليانعة بكفاحه ونضاله، ودنت لقطافها ثمار الكرامة والسيادة والحرية والاستقلال.
    فرحم الله جلالة والدنا محمد الخامس، وكافأه وجازاه أكبر وأوفى مكافأة وجزاء، على ما أعطى فجزل وأسدى، فأتم وأكمل وأثابه أعظم وأحسن ثواب، وأفاض عليه من نعيمه بغير حساب، وتغمده بواسع غفرانه، وشامل رضوانه، وأسكنه دار الخلد في جنانه، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
    شعبي العزيز:
    جرت عادتنا في مثل هذا اليوم من كل عام أن نته بأفكارنا ومشاعرنا نحو قواتنا المسلحة الملكية وقوات الدرك والأمن والقوات المساعدة المرابطة في أقاليمنا الجنوبية، وإننا إذ نتجه صوب قواتنا بملء أفئدتنا لنرسل في هذا اليوم الأغر السعيد تحياتنا مقرونة بما تكنه جميعا نحن وأنت لها من عطف وتقدير وإكبار إن قواتنا هذه التي ترابط في صحرائنا الجنوبية منذ سنين طويلة لتسترخص كل التضحيات وتبذل قصارى ما يمكن أن يبذله إنسان حماية لأرضه ودفاعا عن وطنه وحفاظا على وحدة ترابه، لقد صدت غارات المعتدين وأحبطت كيد الكائدين، وحمت الديار بذكاء وإقدام وشجاعة واستماتة وبطولة نادرة، أثنى عليها القريب والبعيد، وإننا لنغتنم فرصة عيد العرش الذي هو عيد الاعتزاز بالقيم الدينية والوطنية لتعرب لها عن رضانا ورضاك واعتزازنا واعتزازك وحمدنا وحمدنا لأدائها العسكري الذي يستدعي الإشارة والتنويه ويثير الإعجاب والإكبار.
    ومن الله العلي القدير نلتمس في هذا اليوم المبارك المجيد العون الدائم والمدد المتواصل والتوفيق والتسديد المتواليين الأعوام والأحقاب لقواتنا الصامدة في الصحراء والله المسؤول أن يتغمد بواسع رحمته ومغفرته شهداءنا الأبرار ويسكنهم في جنات عدن أرفع المنازل والديار.
    شعبي العزيز:
    خلال هذه المدة التي استرسلت محمودة ميمونة طوال خمسة وعشرين عاما، انصرفت جهودنا المشتركة المؤتلفة إلأى تطوير البلاد وتحديثها، وجعلها تدور في مدار الدول الطامحة إلى رقي يزداد ويطرد فبنينا وشيدنا وجددنا وحررنا التراب، وترامت الجهود إلى كثير من المرافق والوجوه، فانتظمت التجهيز والتكوين والتثقيف والعلاج والتشغيل والتحسين والتجميل، ولم يند عنها مجال من مجالات الاقتصاد، ولا مجال من مجالات الاجتماع. بيد أن أعمالنا هذه المسخرة لصالح التطوير والتحديث، لم تستبد باهتمامنا ولا بتفكيرنا، فقد وجهنا عناية موازية إلى المحافظة على ما تجب المحافظة عليه، ذلك أننا حرصنا حرصا شديدا على أن يتمسك المغرب بالقيم والخصائص والمميزات التي تمنحه ما ينفرد به من طابع، ويختص به من عبقرية، وما كنا لنترك المغرب الذي تألقت فيه الحضارة على امتداد العهود والقرون، وتكونت ملامحه الحضارية أحقابا بعد أحقاب، ينفرط عقدة بانفراط الأيام، وتؤول ملامحه إلى الشحوب والضمور والانحلال والانقراض.
    ولقد كانت مسيرتنا الإنمائية تحت الخطى وتحقق المكاسب تلو المكاسب، ولكن تابت الدنيا مصاعب وحلت بكثير من أقطارها أزمات، ونلنا حظنا من الشدة بعد الرخاء ومن العسر بعد اليسار، فتباطأ سيرنا وتقاصرت خطانا غير أن مشاكلنا ستخف إن شاء الله وطأتها وتتقلص لواؤها، فقد شاءت عناية الله الكريم الجواد أن يعاملنا بإحسانه المعهود فأرسل السماء علينا مدرارا وأفعم القلوب بهجة واستبشارا، فالحمد لله على ما اولى من نعمة وأسبغ من تفاؤل وبسط من آمال.
    والأزمات والشدائد شعبي العزيز امتحان عسير للأفراد والمجتمعات والشعوب فقد يقصر وقد يطول، ولكنه حال تحول، لقد غالبت شعبي العزيز الكثير من التحديات وصاولت مرارا الوعر الشاق من المشاكل، ونجح سعيك فيما طلبت بحزم، وابتغيت بإصرار، ونفدت من الامتحان وقد أضفت تجربة جديدة إلى مالك من خبرات وتجارب.
    ويقيننا شعبي العزيز إنك تستقبل الأيام القادمة والغد الشاخص المطل بما نعهده فيك من روح نضالية وثقة راسخة بالله وبما آتاك من مواهب وكفايات، لقد قطعنا ولله الحمد نحن وأنت بنجاح المأمول والاتساع المطلوب أعمال التجهيز والتكوين والتثقيف والعلاج والتشغيل والتحسين والتزيين وجميع الأعمال التي يستفيد منها المجتمع سلامة وقوة وثراء، وبلادنا ستظل بعون الله وبفضلك وفضلنا طرية العود غضة الشباب قشبية الإهاب موسومة بسماتها الثابتة التي لا يطرأ عليها تبديل، وهي سمات الحكمة والاعتدال والتسامح والتفتح والتطلع إلى التعارف والتعاون والحوار، وستظل بحول الله بلادنا التي كانت وما تزال ملتقى لعبقريات الشرق والغرب والشمال والجنوب بما ستبذله من مساع وجهود مشتركة أرض الدفاع عن العدل والسلام، وأرض الانتصار للعروبة والإسلام، وستظل إلى هذا وذاك متشبثة بوحدتنا الترابية حريصة على مقدساتها متمسكة بقيمتها الروحية والحضارية، لاقتناعها بأن بقاءها كدولة لها خصائصها وشخصيتها الأصلية وطابعها المتميز رهين بإخلاصها ووفائها لماضيها وللقيم الدينية التي استمد الشعب والوطن منها المفاخر والأمجاد.
    لقد دخل المغرب دائرة الحضارة يوم دخل في دين الله ويوم جعل كتاب الله وسنة نبيه ورسوله دليل حياته الذي لا يخطئ ولا يزيغ، وما دام كتاب الله وسنة رسوله الأمين المصباح الذي يضئ مسالكه بنوره الوقاد فلن يضل ولن يخيب.
    (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون).
    صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله.

Ei kommentteja:

Lähetä kommentti