المغرب ..
أمام فرصة تاريخية!!
قليلة هي الفرص التي تمر في حياة الدول، ويمكن اعتبارها تاريخية. فرص من شأن انتهازها أن يغير حال هذه الدول وشعوبها بشكل جذري. وفي الشق الإفريقي من وطننا العربي، يقف المغرب وحيدا أمام ما يمكن اعتباره واحدة من هذه الفرص التاريخية، التي إن أحسن المسؤولون عن إدارة الشأن العام به انتهازها، فستنقله إلى مستويات غير مسبوقة من التنمية والرخاء.
فمنذ عام 2011، يعيش وطننا العربي برمته على وقع انفجارات وزلازل سياسية واجتماعية واقتصادية، لم توفر قطرا واحدا. إلا أن المغرب نجح في تجاوزها، بتقاليد نظامه الملكية الراسخة التي تقوم على استشعار المشاكل والتحوط لها قبل وقوعها أو استفحالها، وبُعد نظر عاهله الملك محمد السادس الذي استبق هذه الزلازل بقيادة عملية تحديث شاملة لنظام البلد السياسي، مبنية على أساس دستور جديد كليا، حظي بإشادة القريب والبعيد، بشكل جعله فريدا وسط محيط لا يعرف دستورا، وإن جرت فيه عملية “ترقيع دستوري” فإنها تتم على مقاس الفرد أو الطغمة الحاكمة، إضافة طبعا لنضج فاعليه ووعي مواطنيه.
وقد ساهم في رسوخ هذا الاستقرار السياسي، الذي جعل المغرب ينجو من العواصف التي زعزعت أركان دول المنطقة، كونه تم بتوافق جميع مكونات المجتمع وفاعليه، ويزداد هذا الرسوخ مع استمرار عملية تنزيل الدستور الجديد في قوانين ونظم، بينما تصارع ليبيا من أجل البقاء موحدة، ويتزايد الاستقطاب حدة في تونس بشكل يهدد استقرار ديمقراطيتها الناشئة، وتتخبط مصر الكنانة كلما ابتعدت أكثر عن روح التوافق الوطني، وأعادت إنتاج نظام هيمنة شبيه بالأنظمة السابقة، واختارت موريتانيا والجزائر الهروب للأمام بسبب فشلهما في التأسيس لتجربة ديموقراطية توافقية.
هذا المحيط المتفجر، هو ما أشار إليه العاهل المغربي في خطابه الأخير في افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية، داعيا إلى استخلاص الدروس والعبر منه. خطاب كان مناسبة أيضا من أجل دعوة الفاعلين السياسيين إلى انتهاز الفرصة التاريخية المتاحة أمام المغرب من أجل الانضمام إلى ركب الاقتصادات الصاعدة، كثاني دولة إفريقية بعد جنوب إفريقيا.
خطاب وتنبيه، ينضاف إلى ما سبقه من خطابات هذه السنة، بمناسبات عيد العرش وعيد الشباب والتي تنبئ جميعها أن المغرب باستكماله تنزيل أهم القوانين الناظمة لحياته السياسية والاقتصادية خلال السنة الحالية، فسيخطو بثقة وثبات نحو مستقبل أكثر إشراقا لأبنائه.
ومما يزيد من قيمة الرهان والتحدي، أن المغرب يخوضه وهو يكاد يكون استثناءا عربيا في غياب النفط والغاز، اللذان تثقل فاتورتهما كاهل موازناته المتعاقبة، في انتظار أن يصدق الوعد قريبا بانضمامه إلى قائمة منتجي ومصدري هاتين المادتين. ومع ذلك فهي نقمة عادت على البلاد بالنعم، حيث أصبح رائدا عالميا في مجال إنتاج الطاقات المتجددة، وتحديدا الريحية والشمسية، وصنع اقتصادا منتجا لا يعتمد على صادرات المحروقات كما هو الحال عند الجيران البعيدين والقريبين، وأتاح المجال لقطاعات الصناعات التقليدية، الخدمات، الصناعات التحويلية، والزراعة من أجل أن تنمو وتزدهر بعيدا عن ترف مداخيل النفط السهلة.
أما مبرر الحديث عن فرصة تاريخية موجودة أمام المغرب، فيعود إلى توافر العديد من العناصر غير المتوفرة لأية دولة عربية، بما فيها الأكثر غنى، ونقصد بها نظاما ملكيا راسخا لا يعاني من مشكلة مشروعية، منظومة سياسية تستوعب الجميع وفق ضوابط العمل السياسي الديمقراطي دون استثناء أو إقصاء، شعب ناضج يعرف قيمة الاستقرار ويعلي من قيمة العمل الجاد، نموذج ديني متسامح فقها وممارسة، علاقات دولية طيبة، إنسجام اجتماعي دون تعصب أو أمراض طائفية أو مذهبية أو مناطقية، هوية ثقافية غنية تمتح من مصادر متنوعة، ولا تعاني من الانفصام العربي القاتل بين “الأصالة” و “المعاصرة”، ثروات مستغلة ومستقبلية تعد بتقوية نسيجه الاقتصادي، تركيبة سكانية شابة تحتاج لتقوية وتغيير نظامها التعليمي من أجل أن تنطلق إلى آفاق غير مسبوقة، حب وغيرة وطنية يتقاسمها أكثر من ستة وثلاثون مليون مغربي ومغربية، … وعناصر أخرى يصعب حصرها في هذه العجالة.
وحتى يستثمر المغرب بحق الفرصة التاريخية المتاحة أمامه، يجب أن يسرع الفاعلون السياسيون حكومة ومعارضة في تنزيل الدستور وتحديث منظومة قوانينه، سرعة ترجمة مقتضيات “الجهوية المتقدمة” التي ستفجر طاقات الجهات والمناطق المختلفة في المغرب وتعطي نموذجا راقيا في إدارة الشأن المحلي، إجراء تغيير شامل في النظام التعليمي بشكل لا يستنسخ التجارب الخارجية التي يوجد عليها أصلا ملاحظات كبيرة في بيئاتها المحلية، فكيف بمحاولة استزراعها في بيئات غريبة، الاستمرار في تغيير هيكل الاقتصاد المغربي وجعله أكثر انفتاحا، وتقديمه -من خلال القوانين التنظيمية وليس مجرد كلام إنشائي- كجسر بين القارات الثلاث (إفريقيا، أوروبا وأمريكا الشمالية)، مستفيدا من الدروس التي راكمتها دول أخرى لعبت دور القطب الدولي، مع استمرار التركيز على التوسع إفريقيا لأنها قارة الفرص الواعدة.
وارتباطا بهذه النقطة الأخيرة، من المفيد التذكير، بأن الرؤية الاستشرافية الثاقبة، عندما تصادف فرصة تاريخية مواتية، فإنها تحدث تغييرا إيجابيا حاسما في ظرف زمني وجيز. ولنأخذ مثلا إمارة دبي التي صحيح أنها استفادت من الحرب العراقية الإيرانية، ومن وفرة العوائد النفطية، إلا أنها استندت بالأساس إلى رسمها لنفسها دور “القطب الإقليمي”. ورغم أنها بدأت كمركز لإعادة التصدير، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى مجالات أخرى كالسياحة والخدمات المالية، لتطغى على ما سواها في محيطها الذي لا يقل عنها إمكانيات وإن كان أقل منها بكثير جرأة وطموحا. الأردن بدوره استفاد من التوتر المستحكم لدى جواره العراقي والسوري واللبناني، ليقفز بنشاطه السياحي إلى مستويات كبيرة، لكن فقره الطاقي وعوامل أخرى ساهمت في اقتصار هذا التحسن على السياحة دون غيرها، مما حد من قدرته على انتهاز ما كان سيعتبر فرصة تاريخية.
أخيرا، وبالأخذ بعين الاعتبار محيط المغرب المتفجر، وإدراكنا عمق المشاكل ورسوخها وضخامتها في مصر الكنانة، وكذا شيخوخة وتكلس النظام الجزائري الذي أدمن ترحيل المشاكل والهروب منها بدحرجتها أمامه، بدليل اختيار جنرالاته المتحكمين أن يديروا البلاد بدون رئيس !! لا يمكن اعتبار أن مشاكل الجوار ستترجم آليا إلى منافع بالنسبة للمغرب، ما لم تقترن بالعمل الجبار، وترسيخ الخطى، وتعظيم المكاسب والحفاظ عليها، وسرعة التخلص من المشاكل دون إبطاء أو مكابرة، والتجند خلف الرؤية الثاقبة لعاهل البلاد الملك محمد السادس الذي يحظى بثقة شعبه، وعدم إضاعة الوقت في الجدل الأيديولوجي العقيم، ولا في استنساخ التجارب الفاشل.. بهذه الطريقة، وبها فقط، يمكن للمغرب أن ينتهز الفرصة التاريخية التي أمامه للارتقاء إلى مكانة غير مسبوقة، تكافئ جهود الآباء وطموح الأبناء..
أمام فرصة تاريخية!!
قليلة هي الفرص التي تمر في حياة الدول، ويمكن اعتبارها تاريخية. فرص من شأن انتهازها أن يغير حال هذه الدول وشعوبها بشكل جذري. وفي الشق الإفريقي من وطننا العربي، يقف المغرب وحيدا أمام ما يمكن اعتباره واحدة من هذه الفرص التاريخية، التي إن أحسن المسؤولون عن إدارة الشأن العام به انتهازها، فستنقله إلى مستويات غير مسبوقة من التنمية والرخاء.
فمنذ عام 2011، يعيش وطننا العربي برمته على وقع انفجارات وزلازل سياسية واجتماعية واقتصادية، لم توفر قطرا واحدا. إلا أن المغرب نجح في تجاوزها، بتقاليد نظامه الملكية الراسخة التي تقوم على استشعار المشاكل والتحوط لها قبل وقوعها أو استفحالها، وبُعد نظر عاهله الملك محمد السادس الذي استبق هذه الزلازل بقيادة عملية تحديث شاملة لنظام البلد السياسي، مبنية على أساس دستور جديد كليا، حظي بإشادة القريب والبعيد، بشكل جعله فريدا وسط محيط لا يعرف دستورا، وإن جرت فيه عملية “ترقيع دستوري” فإنها تتم على مقاس الفرد أو الطغمة الحاكمة، إضافة طبعا لنضج فاعليه ووعي مواطنيه.
وقد ساهم في رسوخ هذا الاستقرار السياسي، الذي جعل المغرب ينجو من العواصف التي زعزعت أركان دول المنطقة، كونه تم بتوافق جميع مكونات المجتمع وفاعليه، ويزداد هذا الرسوخ مع استمرار عملية تنزيل الدستور الجديد في قوانين ونظم، بينما تصارع ليبيا من أجل البقاء موحدة، ويتزايد الاستقطاب حدة في تونس بشكل يهدد استقرار ديمقراطيتها الناشئة، وتتخبط مصر الكنانة كلما ابتعدت أكثر عن روح التوافق الوطني، وأعادت إنتاج نظام هيمنة شبيه بالأنظمة السابقة، واختارت موريتانيا والجزائر الهروب للأمام بسبب فشلهما في التأسيس لتجربة ديموقراطية توافقية.
هذا المحيط المتفجر، هو ما أشار إليه العاهل المغربي في خطابه الأخير في افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية، داعيا إلى استخلاص الدروس والعبر منه. خطاب كان مناسبة أيضا من أجل دعوة الفاعلين السياسيين إلى انتهاز الفرصة التاريخية المتاحة أمام المغرب من أجل الانضمام إلى ركب الاقتصادات الصاعدة، كثاني دولة إفريقية بعد جنوب إفريقيا.
خطاب وتنبيه، ينضاف إلى ما سبقه من خطابات هذه السنة، بمناسبات عيد العرش وعيد الشباب والتي تنبئ جميعها أن المغرب باستكماله تنزيل أهم القوانين الناظمة لحياته السياسية والاقتصادية خلال السنة الحالية، فسيخطو بثقة وثبات نحو مستقبل أكثر إشراقا لأبنائه.
ومما يزيد من قيمة الرهان والتحدي، أن المغرب يخوضه وهو يكاد يكون استثناءا عربيا في غياب النفط والغاز، اللذان تثقل فاتورتهما كاهل موازناته المتعاقبة، في انتظار أن يصدق الوعد قريبا بانضمامه إلى قائمة منتجي ومصدري هاتين المادتين. ومع ذلك فهي نقمة عادت على البلاد بالنعم، حيث أصبح رائدا عالميا في مجال إنتاج الطاقات المتجددة، وتحديدا الريحية والشمسية، وصنع اقتصادا منتجا لا يعتمد على صادرات المحروقات كما هو الحال عند الجيران البعيدين والقريبين، وأتاح المجال لقطاعات الصناعات التقليدية، الخدمات، الصناعات التحويلية، والزراعة من أجل أن تنمو وتزدهر بعيدا عن ترف مداخيل النفط السهلة.
أما مبرر الحديث عن فرصة تاريخية موجودة أمام المغرب، فيعود إلى توافر العديد من العناصر غير المتوفرة لأية دولة عربية، بما فيها الأكثر غنى، ونقصد بها نظاما ملكيا راسخا لا يعاني من مشكلة مشروعية، منظومة سياسية تستوعب الجميع وفق ضوابط العمل السياسي الديمقراطي دون استثناء أو إقصاء، شعب ناضج يعرف قيمة الاستقرار ويعلي من قيمة العمل الجاد، نموذج ديني متسامح فقها وممارسة، علاقات دولية طيبة، إنسجام اجتماعي دون تعصب أو أمراض طائفية أو مذهبية أو مناطقية، هوية ثقافية غنية تمتح من مصادر متنوعة، ولا تعاني من الانفصام العربي القاتل بين “الأصالة” و “المعاصرة”، ثروات مستغلة ومستقبلية تعد بتقوية نسيجه الاقتصادي، تركيبة سكانية شابة تحتاج لتقوية وتغيير نظامها التعليمي من أجل أن تنطلق إلى آفاق غير مسبوقة، حب وغيرة وطنية يتقاسمها أكثر من ستة وثلاثون مليون مغربي ومغربية، … وعناصر أخرى يصعب حصرها في هذه العجالة.
وحتى يستثمر المغرب بحق الفرصة التاريخية المتاحة أمامه، يجب أن يسرع الفاعلون السياسيون حكومة ومعارضة في تنزيل الدستور وتحديث منظومة قوانينه، سرعة ترجمة مقتضيات “الجهوية المتقدمة” التي ستفجر طاقات الجهات والمناطق المختلفة في المغرب وتعطي نموذجا راقيا في إدارة الشأن المحلي، إجراء تغيير شامل في النظام التعليمي بشكل لا يستنسخ التجارب الخارجية التي يوجد عليها أصلا ملاحظات كبيرة في بيئاتها المحلية، فكيف بمحاولة استزراعها في بيئات غريبة، الاستمرار في تغيير هيكل الاقتصاد المغربي وجعله أكثر انفتاحا، وتقديمه -من خلال القوانين التنظيمية وليس مجرد كلام إنشائي- كجسر بين القارات الثلاث (إفريقيا، أوروبا وأمريكا الشمالية)، مستفيدا من الدروس التي راكمتها دول أخرى لعبت دور القطب الدولي، مع استمرار التركيز على التوسع إفريقيا لأنها قارة الفرص الواعدة.
وارتباطا بهذه النقطة الأخيرة، من المفيد التذكير، بأن الرؤية الاستشرافية الثاقبة، عندما تصادف فرصة تاريخية مواتية، فإنها تحدث تغييرا إيجابيا حاسما في ظرف زمني وجيز. ولنأخذ مثلا إمارة دبي التي صحيح أنها استفادت من الحرب العراقية الإيرانية، ومن وفرة العوائد النفطية، إلا أنها استندت بالأساس إلى رسمها لنفسها دور “القطب الإقليمي”. ورغم أنها بدأت كمركز لإعادة التصدير، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى مجالات أخرى كالسياحة والخدمات المالية، لتطغى على ما سواها في محيطها الذي لا يقل عنها إمكانيات وإن كان أقل منها بكثير جرأة وطموحا. الأردن بدوره استفاد من التوتر المستحكم لدى جواره العراقي والسوري واللبناني، ليقفز بنشاطه السياحي إلى مستويات كبيرة، لكن فقره الطاقي وعوامل أخرى ساهمت في اقتصار هذا التحسن على السياحة دون غيرها، مما حد من قدرته على انتهاز ما كان سيعتبر فرصة تاريخية.
أخيرا، وبالأخذ بعين الاعتبار محيط المغرب المتفجر، وإدراكنا عمق المشاكل ورسوخها وضخامتها في مصر الكنانة، وكذا شيخوخة وتكلس النظام الجزائري الذي أدمن ترحيل المشاكل والهروب منها بدحرجتها أمامه، بدليل اختيار جنرالاته المتحكمين أن يديروا البلاد بدون رئيس !! لا يمكن اعتبار أن مشاكل الجوار ستترجم آليا إلى منافع بالنسبة للمغرب، ما لم تقترن بالعمل الجبار، وترسيخ الخطى، وتعظيم المكاسب والحفاظ عليها، وسرعة التخلص من المشاكل دون إبطاء أو مكابرة، والتجند خلف الرؤية الثاقبة لعاهل البلاد الملك محمد السادس الذي يحظى بثقة شعبه، وعدم إضاعة الوقت في الجدل الأيديولوجي العقيم، ولا في استنساخ التجارب الفاشل.. بهذه الطريقة، وبها فقط، يمكن للمغرب أن ينتهز الفرصة التاريخية التي أمامه للارتقاء إلى مكانة غير مسبوقة، تكافئ جهود الآباء وطموح الأبناء..
Ei kommentteja:
Lähetä kommentti