قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط) الآية. روى أسباط عن السدي قال: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه غني وفقير، وكان ضلعه مع الفقير رأى أن الفقير لا يظلم الغني فأبى الله تعالى إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير، فقال (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط) حتى بلغ (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما).
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله) الآية. قال الكلبي: نزلت في عبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس وجماعة من مؤمني أهل الكتاب قالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول) الآية. قال مجاهد: إن ضيفا تضيف قوما فأساءوا قراه فاشتكاهم، فنزلت هذه الآية رخصة في أن يشكو.
قوله تعالى (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا) الآية. نزلت في اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت نبيا فأتنا بكتاب جملة من السماء كما أتى به موسى، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (لكن الله يشهد بما أنزل إليك) الآية. قال الكلبي: إن رؤساء أهل مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سألنا عنك اليهود فزعموا أنهم لا يعرفونك، فأتنا بمن يشهد لك أن الله بعثك إلينا رسولا، فنزلت هذه الآية (لكن الله يشهد).
قوله تعالى (لا تغلوا في دينكم) الآية. نزلت في طوائف من النصارى حين قالوا عيسى ابن الله، فأنزل الله تعالى (لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق) الآية.
قوله تعالى (لن يستنكف المسيح) الآية. قال الكلبي: إن وفد نجران قالوا: يا محمد تعيب صاحبنا؟ قال: ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى، قال: وأي شيء أقول فيه؟ قالوا: تقول إنه عبد الله ورسوله، فقال لهم: إنه ليس بعار لعيسى أن يكون عبدا لله، قالوا: بلى، فنزلت (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله) الآية.
قوله (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) الآية. أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد قال: حدثنا زاهر بن أحمد قال: حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن هشام بن عبد الله، عن ابن الزبير، عن جابر قال: اشتكيت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي سبع أخوات، فنفخ في وجهي فأفقت، فقلت: يا رسول الله أوصي لأخواتي بالثلثين؟ قال: اجلس، فقلت الشطر؟ قال: اجلس، ثم خرج فتركني، قال: ثم دخل علي وقال: يا جابر إني لا أراك تموت في وجعك هذا، إن الله قد أنزل، فبين الذي لأخواتك الثلثين، وكان جابر يقول: نزلت هذه الآية في (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة).
سورة المائدة
قوله تعالى (لا تحلوا شعائر الله) الآية. قال ابن عباس: نزلت في الخطيم واسمه شريح بن ضبيع الكندي، أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليمامة إلى المدينة، فخلف خيله خارج المدينة ودخل وحده على النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: إلام تدعو الناس؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فقال: حسن إلا أن لي أمراء لا نقطع أمرا دونهم، ولعلي أسلم وآتي بهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه: يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان، ثم خرج من عنده، فلما خرج قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبى غادر، وما الرجل مسلم، فمر بسرح المدينة فاستاقه، فطلبوه فعجزوا عنه، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام القضية سمع تلبية حجاج اليمامة، فقال لأصحابه: هذا الخطيم وأصحابه، وكان قد قلد هديا من سرح المدينة وأهدى إلى الكعبة، فلما توجهوا في طلبه أنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله) يريد ما أشعر لله؟ وإن كانوا على غير دين الإسلام.
(1/66)
وقال زيد بن أسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالحديبية حين صدهم المشركون عن البيت، وقد اشتد ذلك عليهم، فمر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم، فأنزل الله تعالى (لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام) أي ولا تعتدوا على هؤلاء العمار إن صدكم أصحابهم.
قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) الآية. نزلت هذه الآية يوم الجمعة، وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر والنبي صلى الله عليه وسلم بعرفات على ناقته العضباء.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا جعفر بن عون قال: أخبرني أبو عميس، عن قيس بن حاتم، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال: أي آية هي؟ قال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشية يوم عرفة في يوم عرفة في يوم جمعة. رواه البخاري عن الحسن بن صباح. ورواه مسلم عن عبد بن حميد، كلاهما عن جعفر بن عون.
أخبرنا الحاكم أبو عبد الرحمن الشاذياخي قال: أخبرنا ناقد بن أحمد قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا أبو قتيبة قال: حدثنا حماد عن عباد بن أبي عمار قال: قرأ ابن عباس هذه الآية ومعه يهودي (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فقال اليهودي: لو نزلت هذه علينا في يوم لاتخذناه عيدا، فقال ابن عباس: فإنها نزلت في عيدين اتفقا في يوم واحد يوم جمعة وافق يوم عرفة.
قوله (يسألونك ماذا أحل لهم) الآية. أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثني ابن أبي زائدة، عن موسى بن عبيدة، عن أبان بن صالح، عن القعقاع بن الحكيم عن سلمى أم رافع، عن أبي رافع قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، فقال الناس: يا رسول الله ما أحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهي (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي بكرة بن بالويه، عن محمد بن سادان، عن يعلى بن منصور، عن ابن زائدة. وذكر المفسرون شرح هذه القصة قالوا: قال أبو رافع جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستأذن عليه، فأذن له فلم يدخل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد أذنا لك يا رسول الله، فقال: أجل يا رسول الله، ولكنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب، فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو، قال أبو رافع: فأمرني أن لا أدع كلبا بالمدينة إلا قتلته حتى بلغت العوالي، فإذا امرأة عندها كلب يحرسها فرحمتها، فتركته فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرني بقتله، فرجعت إلى الكلب فقتلته، فلما أمر رسول الله بقتل الكلاب جاء ناس فقالوا: يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي تقتلها؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلما نزلت أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها ونهى عن إمساك ما لا نفع فيه منها، وأمر بقتل الكلب الكلب والعقور، وما يضر ويؤذي، ودفع القتل عما سواهما وما لا ضرر فيه.
(1/67)
وقال سعيد بن جبير: نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين وهو زيد الخيل الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، فقالا: يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فإن كلاب آل درع وآل حورية تأخذ البقر والحمر والظباء والضب، فمنه ما يدرك ذكاته ومنه ما يقتل فلا يدرك ذكاته وقد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها؟ فنزلت (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات) يعني الذبائح (وما علمتم من الجوارح) يعني وصيد ما علمتم من الجوارح وهي الكواسب من الكلاب وسباع الطير.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم) الآية. أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر المؤذن قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو لبابة محمد بن المهدي الميهني قال: حدثنا عمار بن الحسن قال: حدثنا سلمة بن الفضل قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن عمر بن عبيد، عن الحسن البصري، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلا من محارب يقال له غورث بن الحرث قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا: نعم، وكيف تقتله؟ قال: أفتك به، قال: فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره، فقال: يا محمد أنظر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم، فأخذه فاستله، ثم جعل يهزه ويهم به، فكبته الله عز وجل، ثم قال: يا محمد ما تخافني؟ قال: لا، قال: ألا تخافني وفي يدي السيف؟ قال: يمنعني الله منك، ثم أغمد السيف ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى (اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم).
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلا وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه على شجرة، فجاء عرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل عليه فقال: من يمنعك مني؟ قال؟ الله، قال ذلك الأعرابي مرتين أو ثلاثا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول الله، فشام الأعرابي السيف، فدعا النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه.
وقال مجاهد والكلبي وعكرمة: قتل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من بني سلم وبين النبي عليه الصلاة والسلام وبين قومهما موادعة، فجاء قومهما يطلبون الدية، فأتى النبي عليه الصلاة والسلام ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف رضوان الله عليهم أجمعين، فدخلوا على كعب بن الأشرف وبني النضير يستعينهم في عقلهما، فقالوا: يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة، اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا، فجلس هو وأصحابه، فجاء بعضهم ببعض وقالوا: إنكم لم تجدوا محمدا أقرب منه الآن، فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه؟ فقال عمر بن جحاش بن كعب أنا، فجاء إلى رحا عظيمة ليطرحها عليه، فأمسك الله تعالى يده، وجاء جبريل عليه السلام وأخبره بذلك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنزل الله تعالى هذه الآية.
(1/68)
قوله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي قال: حدثنا أبو عمرو بن نجيد قال: أخبرنا مسلم قال: حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن أنس، أن رهطا من عكل وعرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فاستوخمنا المدينة، فأمر لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام بذود أن يخرجوا فيها فليشربوا من ألبانها وأبوالها فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وثمل أعينهم فتركوا في الحرة حتى ماتوا على حالهم. قال قتادة: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا) إلى آخر الآية. رواه مسلم، عن عبيد الأعلى، عن سعيد إلى قول قتادة.
قوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) قال الكلبي: نزلت في طعمة بن أبيرق سارق الدرع وقد مضت قصته.
قوله تعالى (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) الآيات. حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري إملاء قال: أخبرنا أبو محمد حاجب بن أحمد الطوسي قال: حدثنا محمد بن حماد الأبيوردي قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب قال: مر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيهودي محمما مجلودا، فدعاهم فقال: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، قال: فدعا رجل من غلمانهم فقال: أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل الله تعالى (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) إلى قوله (إن أوتيتم هذا فخذوه) يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوا به، وإن أفتاكم بالرجم (فاحذروا) إلى قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال في اليهود، إلى قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) قال في اليهود إلى قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) قال في الكفار، كلها، رواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية.
أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق قال: أخبرنا أبو الهيثم أحمد بن محمد بن غوث الكندي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا ويهودية، ثم قال (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) قال: نزلت كلها في الكفار رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة.
(1/69)
قوله تعالى (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري: حدثني رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود وامرأة، قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي مبعوث للتخفيف، فإذا أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججناها عند الله، وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد مع أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة زنيا، فلم يكلمهما حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد، والتجبيه: أن يحمل الزانيان على الحمار ويقابل أقفيتهما ويطاف بهما، قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سكت ألح به في النشدة، فقال: اللهم إذ أنشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: فما أول ما أرخصتم أمر الله عز وجل؟ قال: زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنى رجل من سراة الناس فأراد رجمه فاحال قومه دونه، فقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى يجيء بصاحبكم فيرجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فرجما. قال الزهري، فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا) وكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم. قال معمر: أخبرني الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر برجمهما، فلما رجما رأيته يجنأ بيده عنها ليقيها الحجارة.
قوله عز وجل (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) الآية. قال ابن عباس: إن جماعة من اليهود منهم كعب بن أسيد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد عليه الصلاة والسلام لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا: يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم، وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ولن يخالفونا، وإن بيننا وبين قوم خصومة ونحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى فيهم (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك).
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) قال عطية العوفي: جاء عبادة بن الصامت فقال: يا رسول الله إن لي موالي من اليهود كثير عددهم حاضر نصرهم، وإني أبوء إلى الله ورسوله من ولاية اليهود، وآوي إلى الله ورسوله، فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية اليهود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحباب ما تجلب به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه، فقال: قد قبلت، فأنزل الله تعالى فيهما (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) إلى قوله تعالى (فترى الذين في قلوبهم مرض) يعني عبد الله بن أبي (يسارعون فيهم) وفي ولايتهم (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) الآية.
قوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) قال جابر بن عبد الله: جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن قوما من قريظة والنضير قد هاجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، وشكى ما يلقى من اليهود، فنزلت هذه الآية، فقرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء. ونحو هذا قال الكلبي وزاد أن آخر الآية في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، لأنه أعطى خاتمه سائلا وهو راكع في الصلاة.
(1/70)
أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا الحسين بن محمد عن أبي هريرة قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا محمد الأسود، عن محمد بن مروان، عن محمد السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا، فقالوا: يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث، وإن قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا، فشق ذلك علينا، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) الآية. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فنظر سائلا فقال: عل أعطاك أحد شيئا؟ قال: نعم خاتم من ذهب، قال: من أعطاكه؟ قال: ذلك القائم، وأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: على أي حال أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون).
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا) قال ابن عباس: كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا) قال الكلبي: كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى إلى الصلاة، فقام المسلمون إليها، قالت اليهود: قوموا صلوا اركعوا، على طريق الاستهزاء والضحك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال السدي: نزلت في رجل من نصارى المدينة كان إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله قال: حرق الكاذب فدخل خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم وأهله نيام، فطارت منها شرارة في البيت فاحترق هو وأهله. وقال آخرون: إن الكفار لما سمعوا الأذان حضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون على ذلك، وقالوا: يا محمد لقد أبدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم، فإن كنت تدعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الأذان الأنبياء من قبلك، ولو كان في هذا خير كان أولى الناس به الأنبياء والرسل من قبلك، فمن أين لك صياح كصياح البعير، فما أقبح من صوت ولا أسمج من كفر، فأنزل الله تعالى هذه الآية وأنزل (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا) الآية.
قوله تعالى (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله) الآية. قال ابن عباس: أتى نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل، فقال: أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل إلى قوله (ونحن له مسلمون) فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: والله ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم، ولا دينا شرا من دينكم، فأنزل الله تعالى (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة) الآية.
قوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) قال الحسن: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما بعثني الله تعالى برسالتي ضقت بها ذرعا وعرفت أن من الناس من يكذبني، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهيب قريشا واليهود والنصارى، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصفار قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي قال: أخبرنا محمد بن حمدون بن خالد قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الخلوتي قال: حدثنا الحسن بن حماد سجادة قال: حدثنا علي بن عابس، عن الأعمش وأبي حجاب، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(1/71)
قوله تعالى (والله يعصمك من الناس) قالت عائشة رضي الله عنها: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: ألا رجل صالح يحرسنا الليلة، فقالت: بينما نحن في ذلك سمعت صوت السلاح، فقال: من هذا؟ قال: سعد وحذيفة جئنا نحرسك، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه، ونزلت هذه الآية، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة آدم وقال: انصرفوا يا أيها الناس فقد عصمني الله.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: حدثنا إسماعيل بن نجيد قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الخليل بن محمد بن العلاء قال: حدثنا الجماني قال: حدثنا النضر، عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس وكان يرسل معه أبو طالب رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك) إلى قوله (والله يعصمك من الناس) قال: فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه، فقال: يا عم إن الله تعالى قد عصمني من الجن والإنس.
قوله تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود) الآيات، إلى قوله (والذين كفروا وكذبوا) نزلت في النجاشي وأصحابه. قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة يخاف على أصحابه من المشركين، فبعث جعفر بن أبي طالب وابن مسعود في رهط من أصحابه إلى النجاشي وقال إنه ملك صالح لا يظلم ولا يظلم عنده أحد، فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا، فلما وردوا عليه أكرمهم وقال لهم: تعرفون شيئا مما أنزل عليكم؟ قالوا: نعم قال: اقرءوا فقرءوا وحوله القسيسين والرهبان، فكلما قرءوا آية انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق، قال الله تعالى (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون، وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع) الآية.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن حمدون بن الفضل قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا أبو صالح كاتب الليث قال: حدثني الليث قال: حدثني يونس بن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وعن عروة ابن الزبير وغيرهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري بكتاب معه إلى النجاشي فقدم على النجاشي، فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه، فأرسل إلى الرهبان والقسيسين، فجمعهم، ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن فقرأ سورة مريم عليها السلام، فآمنوا بالقرآن وأفاضت أعينهم من الدمع، وهم الذين أنزل فيهم (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) إلى قوله (فاكتبنا مع الشاهدين).
وقال آخرون: قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة هو وأصحابه ومعهم سبعون رجلا بعثهم النجاشي وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثياب الصوف، اثنان وستون من الحبشة، وثمانية من أهل الشام، وهم بحيرا الراهب وإبرهليه وإدريس وأشرف وتمام وقثم وذر وأيمن، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس إلى آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآيات.
أخبرنا أحمد بن محمد العدل قال: حدثنا زاهد بن أحمد قال: حدثنا أبو القاسم قال: حدثنا البغوي قال: حدثنا علي بن الجعد قال: حدثنا شريك بن سالم، عن سعيد بن جبير في قوله تعالى (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا) قال: بعث النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيار أصحابه ثلاثين رجلا، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس فبكوا، فنزلت هذه الآية.
(1/72)
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) أخبرنا أبو عثمان بن أبي عمرو المؤذن قال: حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: حدثنا الحسن بن سفيان قال: أخبرنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا أبو عاصم، عن عثمان بن سعد قال: أخبرني عكرمة، عن ابن عباس، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إني إذا أكلت هذا اللحم انتشرت إلى النساء، وإني حرمت علي اللحم، فنزلت (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) ونزلت (وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا) الآية.
قال المفسرون: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فذكر الناس ووصف القيامة ولم يزدهم على التخويف، فرق الناس وبكوا، فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي وهم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي ومعقل بن مضر، واتفقوا على أن يصوموا النهار، ويقوموا الليل، ولا يناموا على الفرش، ولا يأكلوا اللحم ولا الودك، ويترهبوا، ويجبو المذاكير، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمعهم فقال: ألم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا وكذا؟ فقالوا: بلى يا رسول الله وما أردنا إلا الخير، فقال: إني لم أومر بذلك، إن لأنفسكم عليكم حقا، فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا، فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم، فمن رغب عن سنتي فليس مني، ثم خرج إلى الناس وخطبهم فقال: ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا، أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ولا رهبانا، فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ولا اتخاذ الصوامع، وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتها الجهاد، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وحجوا واعتمروا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقالوا: يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها، وكانوا حلفوا على ما عليه اتفقوا، فأنزل الله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) الآية.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر) الآية. أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر المطوعي قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري قال: حدثنا أحمد بن علي الموصلي قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا حسن أبو موسى قال: حدثنا الزبير قال: حدثنا سماك بن حرب قال: حدثني مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أتيت على نفر من المهاجرين فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمرا، وذلك قبل أن يحرم الخمر، فأتيتهم في حش، والحش: البستان، وإذا رأس جزور مشويا عندهم ودن من خمر، فأكلت وشربت معهم، وذكرت الأنصار والمهاجرين، فقلت: المهاجرون خير من الأنصار، فأخذ رجل لحى الرأس، فجدع أنفي بذلك، فأتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأنزل الله في شأن الخمر (إنما الخمر والميسر) الآية. رواه مسلم عن أبي خيثمة.
(1/73)
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا خالد بن الوليد قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في البقرة (يسألونك عن الخمر والميسر) فدعى عمر فقرئت عليه، فقال اللهم بين لنا من الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في النساء (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة ينادي لا يقربن الصلاة سكران، فدعى عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت هذه الآية (إنما الخمر والميسر) فدعى عمر فقرئت عليه، فلما بلغ (فهل أنتم منتهون) قال عمر: انتهينا، وكانت تحدث أشياء لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأسباب شرب الخمر قبل تحريمها، منها قصة علي بن أبي طالب مع حمزة رضي الله عنهما، وهي ما أخبر محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خالد قال: أخبرنا يوسف بن موسى المروزي قال: أخبرنا عمر بن صالح قال: أخبرنا عنبسة قال: أخبرنا يوسف، عن ابن شهاب قال: أخبرني علي بن الحسين، أن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس، ولما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه من الصواغين فأستعين به في وليمة عرسي، فبينما أنا أجمع لشارفي من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار، فإذا أنا بشارفي قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادها، فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر، قلت: من فعل هذا؟ فقالوا: فعله حمزة وهو في البيت في شرب من الأنصار عنده قينة وأصحابه، فقالت في غنائها:
ألا يا حمز للشرف النواء ... وهن معقلات بالفناء
زج السكين في اللبات منها ... فضرجهن حمزة بالدماء
فأطعم من شرائحها كبابا ... ملهوجة على رهج الصلاء
فأنت أبا عمارة المرجى ... لكشف الضر عنا والبلاء
فوثب إلى السيف، فأجب أسنمتها وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادها قال علي عليه السلام: فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة، قال: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لقيت، فقال: مالك؟ فقلت: يا رسول الله ما رأيت كاليوم عدا حمزة على ناقتي وجب أسنمتهما وبقر خواصرهما هو ذا في بيت معه شرب شرب، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه، ثم انطلق يمشي فاتبعت أثره أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي هو فيه، فاستأذن فأذن له، فإذا هم شرب، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه، فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال: وهل أنتم إلا عبيد أبي، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثمل، فنكص على عقبيه القهقرى، فخرج وخرجنا، رواه البخاري عن أحمد بن صالح، وكانت هذه القصة من الأسباب الموجبة لنزول تحريم الخمر.
(1/74)
قوله تعالى (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الآية. أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعي قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن يعمر الحيري قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي، عن حماد، عن ثابت، عن أنس قال: كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة، وما شرابهم إلا الفضيخ والبسر والتمر، وإذا مناد ينادي: إن الخمر قد حرمت، قال: فأريقت في سكك المدينة، فقال أبو طلحة اخرج فأرقها، قال: فأرقتها، فقال بعضهم قتل فلان وقتل فلان وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله تعالى (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الآية. رواه مسلم، عن أبي الربيع. ورواه البخاري، عن أبي نعمان، كلاهما عن حماد.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي قال: حدثنا أبو عمر بن مطر قال: حدثنا أبو خليفة قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب قال: مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر فلما حرمت قال أناس: كيف لأصحابنا ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت هذه الآية (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الآية.
قوله تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) الآية. أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله قال: أخبرنا محمد بن القاسم المؤدب قال: حدثنا إدريس بن علي الرازي قال: حدثنا يحيى بن الضريس قال: حدثنا سفيان، عن محمد بن سراقة، عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل حرم عليكم عبادة الأوثان وشرب الخمر والطعن في الأنساب، ألا إن الخمر لعن شاربها وعاصرها وساقيها وبائعها وآكل ثمنها، فقام إليه أعرابي فقال: يا رسول الله إني كنت رجلا كانت هذه تجارتي، فاقتنيت من بيع الخمر مالا فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة، إن الله لا يقبل إلا الطيب، فأنزل الله تعالى تصديقا لقوله صلى الله عليه وسلم (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث).
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) الآية. أخبرنا عمر بن أبي عمر المزكي قال: حدثنا محمد بن مكي قال: حدثنا محمد يوسف قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدثنا الفضل بن سهل قال: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا أبو جويرية عن ابن عباس قال: كان قوم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرجل الذي تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) حتى فرغ من الآيات كلها.
أخبرنا أبو سعد المنصوري قال: أخبرنا أبو بكر القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا منصور بن أبي زيد أن الأزدي قال: حدثنا علي بن عبد الأعلى، عن أبيه، عن أبي البحتري، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية (ولله على الناس حج البيت) قالوا: يا رسول الله أفي كل عام؟ فسكت، ثم قالوا: أفي كل عام؟ فسكت، ثم قال في الرابعة: لا، ولو قلت نعم لوجبت، فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم).
(1/75)
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) الآية. قال الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل هجر وعليهم منذر بن ساوى يدعوهم إلى الإسلام، فإن أبوا فليؤدوا الجزية، فلما أتاه الكتاب عرضه على من عنده من العرب واليهود والنصارى والصابئين والمجوس، فأقروا بالجزية وكرهوا الإسلام، وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأما أهل الكتاب والمجوس فأقبل منهم الجزية، فلما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت العرب، وأما أهل الكتاب والمجوس فأعطوا الجزية، فقال منافقو العرب: عجبا من محمد يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا ولا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب، فلا نراه إلا قبل من مشركي أهل هجر ما رد على مشركي العرب، فأنزل الله تعالى (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) يعني من ضل من أهل الكتاب.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) الآية. أخبرنا أبو سعد ابن أبي بكر الغازي قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا الحرث بن شريح قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: حدثنا محمد بن القاسم، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كان تميم الداري وعدي بن زيد يختلفان إلى مكة، فصحبهما رجل من قريش من بني سهم، فمات بأرض ليس بها أحد من المسلمين، فأوصى إليهما بتركته، فلما قدما دفعاها إلى أهله وكتما جاما كان معه من فضة كان مخوصا بالذهب فقالا: لم نره فأتي بهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستحلفهما بالله ما كتما ولا اطلعا وخلى سبيلهما، ثم إن الجام وجد عند قوم من أهل مكة، فقالوا: ابتعناه من تميم الداري وعدي بن زيد، فقام أولياء السهمي فأخذوا الجام وحلف رجلان منهم بالله إن هذا الجام جام صاحبنا، وشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا، فنزلت هاتان الآيتان (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) إلى آخرها.
سورة الأنعام
بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس) الآية. قال الكلبي إن مشركي مكة قالوا: يا محمد والله لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله وأنك رسوله فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى (وله ما سكن في الليل والنهار) الآية. قال الكلبي عن ابن عباس: إن كفار مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إنا قد علمنا أنه إنما يحملك على ما تدعو إليه الحاجة، فنحن نجعل لك نصيبا في أموالنا حتى تكون أغنانا رجلا وترجع عما أنت عليه، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى (قل أي شيء أكبر شهادة) الآية. قال الكلبي: إن رؤساء مكة قالوا: يا محمد ما نرى أحدا يصدقك بما تقول من أمر الرسالة، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة، فأرنا من يشهد لك أنك رسول كما تزعم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (ومنهم من يستمع إليك) الآية. قال ابن عباس في رواية أبي صالح: إن أبا سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث، وعتبة وشيبة ابني ربيعة وأمية وأبيا ابني خلف استمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا للنضر: يا أبا قتيلة ما يقول محمد؟ قال: والذي جعلها بيته ما أدري ما يقول، إلا أني أرى يحرك شفتيه يتكلم بشيء وما يقول إلا أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية، وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأول، وكان يحدث قريشا فيستملحون حديثه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وهم ينهون عنه وينأون عنه) أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نعيم قال:
(1/76)
حدثنا علي بن حمشاذ قال: حدثنا محمد بن منده الأصفهاني قال: حدثنا بكر بن بكار قال: حدثنا حمزة بن حبيب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله (وهم ينهون عنه وينأون عنه) قال: نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتباعد عما جاء به، وهذا قول عمرو بن دينار والقاسم بن مخيمر. قال مقاتل: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب يردون سؤال النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو طالب:
والله لا وصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... وابشر وقر بذاك منك عيونا
وعرضت دينا لا محالة أنه ... من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا
فأنزل الله تعالى (وهم ينهون عنه) الآية.
وقال محمد بن الحنفية والسدي والضحاك: نزلت في كفار مكة كانوا ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ويتباعدون بأنفسهم عنه، وهو قول ابن عباس في رواية الوالبي.
قوله تعالى (إنه ليحزنك الذي يقولون) الآية. قال السدي: التقى الأخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام، فقال الأخنس لأبي جهل: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هنا من يسمع كلامك غيري، فقال أبو جهل: والله إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال أبو ميسرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأبي جهل وأصحابه فقالوا: يا محمد إنا والله ما نكذبك، وإنك عندنا لصادق، ولكن نكذب ما جئت به، فنزلت (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) وقال مقاتل: نزلت في الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، كان يكذب النبي صلى الله عليه وسلم في العلانية وإذا خلا مع أهل بيته قال: ما محمد من أهل الكذب ولا أحسبه إلا صادقا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الآية. أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا زاهر بن أحمد قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد قال: نزلت هذه الآية فينا ستة في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال، قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نرضى أن نكون أتباعا لهؤلاء فاطردهم، فدخل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل، فأنزل الله تعالى عليه (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الآية. رواه مسلم، عن زهير بن حرب، عن عبد الرحمن، عن سفيان عن المقدام.
أخبرنا أبو عبد الرحمن قال: أخبرنا أبو بكر بن زكريا الشيباني قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبو صالح الحسين بن الفرج قال: حدثنا محمد بن مقاتل المروزي قال: حدثنا حكيم بن زيد قال: حدثنا السدي، عن أبي سعيد، عن أبي الكنود، عن خباب بن الأرت قال: فينا نزلت، كنا ضعفاء عند النبي صلى الله عليه وسلم بالغداة والعشي، فعلمنا القرآن والخير، وكان يخوفنا بالجنة والنار وما ينفعنا والموت والبعث، فجاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فقالا: إنا من أشراف قومنا وإنا نكره أن يرونا معهم فاطردهم إذا جالسناك، قال: نعم، قالوا: لا نرضى حتى تكتب بيننا كتابا، فأتى بأديم ودواة، فنزلت هذه الآيات (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) إلى قوله تعالى (فتنا بعضهم ببعض).
(1/77)
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أسباط بن محمد عن أشعث، عن كركوس، عن ابن مسعود قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خباب بن الأرت وصهيب وبلال وعمار، قالوا: يا محمد رضيت بهؤلاء أتريد أن نكون تبعا لهؤلاء؟ فأنزل الله تعالى (ولا تطرد الذين يدعون ربهم) وبهذا الإسناد قال: حدثنا عبد الله، عن جعفر عن الربيع قال: كان رجال يسبقون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم بلال وصهيب وسلمان، فيجيء أشراف قومه وسادتهم، وقد أخذوا هؤلاء المجلس فيجلسون إليه، فقالوا: صهيب رومي وسلمان فارسي وبلال حبشي يجلسون عنده ونحن نجيء ونجلس ناحية، وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا سادة قومك وأشرافهم فلو أدنيتنا منك إذا جئنا، فهم أن يفعل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدي والحرث بن نوفل في أشراف بني عبد مناف من أهل الكفر إلى أبي طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك محمدا يطرد عنه موالينا وعبيدنا وعسفاءنا كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقنا له، فأتى أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بالذي كلموه، فقال عمر بن الخطاب: لو فعلت ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون وإلام يصيرون من قولهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب يعتذر من مقالته.
قوله تعالى (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم) الآية. قال عكرمة نزلت في الذين نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن طردهم، فكان إذا رآهم النبي صلى الله عليه وسلم بدأهم بالسلام وقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام.
وقال ماهان الحنفي: أتى قوم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أصبنا ذنوبا عظاما، فما إخاله رد عليهم بشيء، فلما ذهبوا وتولوا نزلت هذه الآية (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا).
قوله تعالى (قل إني على بينة من ربي) الآية. قال الكلبي: نزلت في النضر بن الحرث ورؤساء قريش كانوا يقولون: يا محمد ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به استهزاء منهم، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء) قال ابن عباس في رواية الوالبي: قالت اليهود: يا محمد أنزل الله عليك كتابا؟ قال: نعم قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابا فأنزل الله تعالى (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس) وقال محمد بن كعب القرظي: أمر الله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يسأل أهل الكتاب عن أمره وكيف يجدونه في كتبهم، فحملهم حسد محمد أن كفروا بكتاب الله ورسوله، وقالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال سعيد بن جبير. جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف، فخاصم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟ وكان حبرا سمينا، فغضب وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال له أصحابه الذين معه: ويحك ولا على موسى؟ والله ما أنزل الله على بشر من شيء، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي) الآية. نزلت في مسيلمة الكذاب الحنفي كان يسجع ويتكهن ويدعي النبوة، ويزعم أن الله أوحى إليه.
(1/78)
قوله تعالى (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد تكلم بالإسلام، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يكتب له شيئا، فلما نزلت الآية التي في المؤمنين (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة) أملاها عليه، فلما انتهى إلى قوله (ثم أنشأناه خلقا آخر) عجب عبد الله في تفصيل خلق الإنسان، فقال: تبارك الله أحسن الخالقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت علي، فشك عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إلي كما أوحي إليه، ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال، وذلك قوله (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) وارتد عن الإسلام، وهذا قول ابن عباس في رواية الكلبي.
أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثني محمد بن يعقوب الأموي قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: حدثني شرحبيل بن سعد قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن سرح قال: سأنزل مثل ما أنزل الله، وارتد عن الإسلام، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتى به عثمان رسول الله عليه الصلاة والسلام، فاستأمن له.
قوله تعالى (وجعلوا لله شركاء الجن) قال الكلبي: نزلت هذه الآية في الزنادقة، قالوا: إن الله تعالى وإبليس إخوان، والله خالق الناس والدواب وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب، فذلك قوله تعالى (وجعلوا لله شركاء الجن).
قوله تعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) قال ابن عباس في رواية الوالبي: قالوا: يا محمد لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجون ربك، فنهى الله أن يسبوا أوثانهم فيسبوا الله عدوا بغير علم. وقال قتادة: كان المسلمون يسبون أوثان الكفار فيردون ذلك عليهم، فنهاهم الله تعالى أن يستسبوا لربهم قوما جهلة لا علم لهم بالله.
وقال السدي: لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش: انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنأمرنه أن ينهى عنا ابن أخيه، فإنا نستحي أن نقتله بعد موته، فتقول العرب: كان يمنعه فلما مات قتلوه، فانطلق أبو سفيان وأبو جهل والنضر بن الحرث وأمية وأبي ابنا خلف وعقبة بن أبي معيط وعمرو بن العاص والأسود بن البختري إلى أبي طالب، فقالوا: أنت كبيرنا وسيدنا وإن محمدا قد آذانا وآذى آلهتنا، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ولندعه وإلهه، فدعاه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو طالب: هؤلاء قومك وبنو عمك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا يريدون؟ فقالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك، فقال أبو طالب: قد أنصفك قومك فاقبل منهم، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام. أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم؟ قال أبو جهل: نعم وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها، فما هي؟ قال: قولوا: لا إله إلا الله، فأبوا واشمأزوا، فقال أبو طالب: قل غيرها يا ابن أخي فإن قومك قد فزعوا منها، فقال: يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها، فقالوا: لتكفن عن شتمك آلهتنا أو لنشتمك ونشتم من يأمرك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
(1/79)
قوله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) الآيات إلى قوله تعالى (ولكن أكثرهم يجهلون). أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال: حدثنا محمد بن يعقوب الأموي قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس بن بكير عن أبي معشر، عن محمد بن كعب قال: كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش فقالوا: يا محمد تخبرنا أن موسى عليه السلام كانت معه عصا ضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وأن عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى، وأن ثمود كانت لهم ناقة فأتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي شيء تحبون أن آتيكم به فقالوا: تجعل لنا الصفا ذهبا قال: فإن فعلت تصدقوني؟ قالوا: نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، فجاءه جبريل عليه السلام وقال: إن شئت أصبح الصفا ذهبا ولكني لم أرسل آية فلم يصدق بها إلا أنزلت العذاب وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتركهم حتى يتوب تائبهم فأنزل الله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها). إلى قوله (ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله).
قوله تعالى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) الآية. قال المشركون يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها؟ قال: الله قتلها، قالوا: فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال، وما قتل الكلب والصقر حلال، وما قتله الله حرام؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: إن المجوس من أهل فارس لما أنزل الله تعالى تحريم الميتة كتبوا إلى مشركي قريش، وكانوا أولياءهم في الجاهلية، وكانت بينهم مكاتبة، أن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله، ثم يزعمون أن ما ذبحوا فهو حلال، وما ذبح الله فهو حرام، فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (أومن كان ميتا فأحييناه) الآية. قال ابن عباس: يريد حمزة بن عبد المطلب وأبا جهل، وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرث وحمزة لم يؤمن بعد، فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه وبيده قوس، فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس وهو يتضرع إليه ويقول: يا أبا يعلى أما ترى ما جاء به سفه عقولنا وسب آلهتنا وخالف آباءنا؟ قال حمزة: ومن أسفه منكم؟ تعبدون الحجارة من دون الله، أشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب والوليد بن أبان قالا: حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا أبو تقي قال: حدثنا بقية بن الوليد قال: حدثنا ميسر بن عقيل عن زيد بن أسلم في قوله عز وجل (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) قال أبو جهل بن هشام.
سورة الأعراف
بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) أخبرنا سعيد بن محمد العدل قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا الحسن بن حماد الوراق قال: أخبرنا أبو يحيى الحماني، عن نصر بن الحسن، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان ناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة حتى أن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة، فتعلق على سفلاها سيورا مثل هذه السيور التي تكون على وجوه الحمر من الذباب وهي تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله
فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) فأمروا بلبس الثياب.
(1/80)
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا محمد بن يعقوب المعقلي قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال: مسلم البطين يحدث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانت المرأة تطوف بالبيت في الجاهلية وهي عريانة وعلى فرجها خرقة وهي تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله
فنزلت (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ونزلت (قل من حرم زينة الله) الآيتان. رواه مسلم عن بندار، عن غندر، عن شعبة.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن محمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كانوا إذا حجوا فأفاضوا من منى لا يصلح لأحد منهم في دينهم الذي أشرعوا أن يطوف في ثوبيه، فأيهم طاف ألقاهما حتى يقضي طوافه وكان عاريا، فأنزل الله تعالى فيهم (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) إلى قوله تعالى (يعلمون) أنزلت في شأن الذين يطوفون بالبيت عراة.
قال الكلبي: كان أهل الجاهلية لا يأكلون من الطعام إلا قوتا، ولا يأكلون دسما في أيام حجهم، يعظمون بذلك حجهم، فقال المسلمون: يا رسول الله نحن أحق بذلك، فأنزل الله تعالى (وكلوا) أي اللحم والدسم (واشربوا).
قوله تعالى (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) الآية. قال ابن مسعود: نزلت في بلعم بن باعورا رجل من بني إسرائيل. وقال ابن عباس وغيره من المفسرين: هو بلعم بن باعورا. وقال الوالبي: هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم، وكان يعلم اسم الله الأعظم، فلما نزل بهم موسى عليه السلام أتاه بنو عمه وقومه وقالوا: إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه، قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي، فلم يزالوا به حتى دعا عليهم، فسلخه مما كان عليه، فذلك قوله تعالى (فانسلخ منها).
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وزيد بن أسلم: نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي، وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسول في ذلك الوقت، ورجا أن يكون هو ذلك الرسول، فلما أرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم حسده وكفر به.
وروى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال: هو رجل أعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيها وكانت له امرأة يقال لها البسوس، وكان له منها ولد وكانت له محبة، فقالت: اجعل لي منها دعوة واحدة، قال: لك واحدة فماذا تأمرين، قالت: ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل، فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئا آخر، فدعا الله عليها أن يجعلها كلبة نباحة فذهبت فيها دعوتان وجاء بنوها فقالوا: ليس لنا على هذا قرار، قد صارت أمنا كلبة نباحة يعيرنا بها الناس، فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليها فدعا الله فعادت كما كانت، وذهبت الدعوات الثلاث وهي البسوس، وبها يضرب المثل في الشؤم فيقال: أشأم من البسوس.
قوله تعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) قال ابن عباس: قال جبل بن أبي قشير وشموال بن زيد من اليهود: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا فإنا نعلم متى هي، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: قالت قريش لمحمد إن بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا متى تكون الساعة، فأنزل الله تعالى (يسألونك عن الساعة).
(1/81)
أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر الوراق. قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: حدثنا أبو يعلى قال: حدثنا عقبة بن مكرم قال: حدثنا يونس قال: حدثنا عبد الغفار بن القاسم، عن أبان بن لقيط، عن قرظة بن حسان قال: سمعت أبا موسى في يوم جمعة على منبر البصرة يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة وأنا شاهد، فقال: لا يعلمها إلا الله، لا يجليها لوقتها إلا هو، ولكن سأحدثكم بأشراطها وما بين يديها إن بين يديها ردما من الفتن وهرجا فقيل: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: هو بلسان الحبشة القتل، وأن تحصر قلوب الناس، وأن يلقى بينهم التناكر فلا يكاد أحدا يعرف أحدا، ويرفع ذوو الحجى، وتبقى رجاجة من الناس لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا.
قوله تعالى (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا) الآية. قال الكلبي: إن أهل مكة قالوا: يا محمد ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري فتربح، وبالأرض التي يريد أن تجدب فترحل عنها إلى ما قد أخصب، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) إلى قوله تعالى (وهم يخلقون) قال مجاهد: كان لا يعيش لآدم وامرأته ولد، فقال لهما الشيطان: إذا ولد لكما ولد، فسمياه عبد الحرث، وكان اسم الشيطان قبل ذلك الحرث ففعلا، فذلك قوله تعالى (فلما أتاهما صالحا جعلا له شركاء) الآية.
قوله تعالى (وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا). أخبرنا أبو منصور المنصوري قال: أخبرنا عبد الله بن عامر قال: حدثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي هريرة في هذه الآية (وإذا قريء القرآن) قال: نزلت في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة.
وقال قتادة: كانوا يتكلمون في صلاتهم في أول ما فرضت، كان الرجل يجيء فيقول لصاحبه: كم صليتم؟ فيقول كذا وكذا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الزهري: نزلت في فتى من الأنصار كان رسول الله عليه الصلاة والسلام كلما قرأ شيئا قرأ هو، فنزلت هذه الآية.
وقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة المكتوبة، وقرأ أصحابه وراءه رافعين أصواتهم، فخلطوا عليه، فنزلت هذه الآية.
وقال سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وجماعة: نزلت في الإنصات للإمام في الخطبة يوم الجمعة.
سورة الأنفال
بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى (يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) الآية. أخبرنا أبو سعد النضروي قال: أخبرنا أبو بكر القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن محمد بن عبد الله الثقفي، عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتل سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكثيفة، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم قال: اذهب فاطرحه في القبض، قال: فرجعت وبي مالا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا قريبا حتى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. اذهب فخذ سيفك.
وقال عكرمة عن ابن عباس: لما كان يوم بدر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا، فذهب شباب الرجال وجلس الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت الغنيمة جاء الشباب يطلبون نفلهم، فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا فإنا كنا تحت الرايات ولو انهزمتم كنا لكم ردءا، فأنزل الله تعالى (يسألونك عن الأنفال) فقسمها بينهما بالسواء.
(1/82)
أخبرنا أبو بكر الحارث قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن زائدة، عن ابن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحرث، عن سليمان بن موسى الأشدق، عن ابن مكحول، عن أبي سلام الباهلي، عن أبي أمامة الباهلي، عن عبادة بن الصامت قال: لما هزم العدو يوم بدر واتبعتهم طائفة يقتلونهم وأحدقت طائفة برسول الله عليه الصلاة والسلام، واستولت طائفة على العسكر والنهب، فلما نفى الله العدو، ورجع الذين طلبوهم وقالوا: لنا النفل بحسن طلبنا العدو وبنا نفاهم وهزمهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما أنتم بأحق به منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينال العدو منه غرة فهو لنا، وقال الذين استولوا على العسكر والنهب: والله ما أنتم بأحق به منا نحن أخذناه واستولينا عليه فهو لنا، فأنزل الله تعالى (يسألونك عن الأنفال) فقسمه رسول الله عليه الصلاة والسلام بالسوية.
قوله تعالى (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد البياع قال: أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني قال: حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: أقبل أبي بن خلف يوم أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريده، فاعترض له رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله عليه الصلاة والسلام فخلوا سبيله، فاسقبله مصعب بن عمير أحد بني عبد الدار، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي من فرجة بين سابغة البيضة والدرع، فطعنه بحربته فسقط أبي عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم، وكسر ضلعا من أضلاعه، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور، فقالوا له: ما أعجزك إنما هو خدش، فقال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين، فمات أبي إلى النار، فسحقا لأصحاب السعير قبل أن يقدم مكة، فأنزل الله تعالى ذلك (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).
وروى صفوان بن عمرو عن عبد العزيز بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر دعا بقوس، فأتى بقوس طويلة، فقال: جيئوني بقوس غيرها، فجاءوه بقوس كبداء، فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصن، فأقبل السهم يهوي حتى قتل كنانة بن أبي الحقيق وهو على فراشه، فأنزل الله تعالى (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).
وأكثر أهل التفسير أن الآية نزلت في رمي النبي عليه الصلاة والسلام القبضة من حصباء الوادي يوم بدر حين قال للمشركين: شاهت الوجوه ورماهم بتلك القبضة، فلم يبق عين مشرك إلا دخلها منه شيء.
قال حكيم بن حزام: لما كان يوم بدر سمعنا صوتا وقع من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت في طست، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحصاة فانهزمنا، فذلك قوله تعالى (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).
قوله تعالى (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر قال: أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الله بن ثعلبة بن صغير قال: كان المستفتح أبا جهل، وإنه قال حين التقى بالقوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لم نعرف فافتح له الغداة، وكان ذلك استفتاحه، فأنزل الله تعالى (إن تستفتحوا فقد جاءكم) إلى قوله (وإن الله مع المؤمنين) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن القطيعي، عن ابن حنبل، عن أبيه، عن يعقوب.
قال السدي والكلبي: كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: قال المشركون: اللهم لا نعرف ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام فافتح بيننا وبينه بالحق، فأنزل الله تعالى (إن تستفتحوا) الآية.
(1/83)
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول) الآية. نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر يهود قريظة - إحدى وعشرين ليلة، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات وأريحا من أرض الشام، فأبى أن يعطيهم ذلك إلى أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأبوا وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة، وكان مناصحا لهم، لأن عياله وماله وولده كانت عندهم، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاهم فقالوا: يا أبا لبابة ما ترى، أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه أنه الذبح فلا تفعلوا، قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله، فنزلت فيه هذه الآية، فلما نزلت شد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما حتى خر مغشيا عليه، ثم تاب الله عليه، فقيل له: يا أبا لبابة قد تيب عليك، لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني، فجاءه فحله بيده، ثم قال أبو لبابة: إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزيك الثلث أن تتصدق به.
قوله تعالى (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق) الآية. قال أهل التفسير: نزلت في النضر بن الحارث، وهو الذي قال: إن كان ما يقوله محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثنا محمد بن يعقوب الشيباني قال: حدثنا أحمد بن النضر بن عبد الوهاب قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا شعبة، عن عبد الحميد صاحب الزيادي سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزل (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) الآية. ورواه البخاري عن أحمد بن النضر. ورواه مسلم عن عبد الله بن معاذ.
قوله تعالى (وما كان صلاتهم عند البيت) أخبرنا أبو إسماعيل بن أبي عمرو النيسابوري قال: أخبرنا حمزة بن شبيب المعمري قال: أخبرنا عبيد الله بن إبراهيم بن بالويه قال: حدثنا أبو المنبيء معاذ بن المنبيء قال: حدثنا عمرو قال: وحدثنا أبي قال: حدثنا قرة عن عطية، عن ابن عمرو قال: كانوا يطوفون بالبيت ويصفقون، ووصف الصفق بيده، ويصفقون، ووصف صفيرهم، ويضعون خدودهم بالأرض، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) الآية. قال مقاتل. والكلبي: نزلت في المطعمين يوم بدر، وكانوا اثني عشر رجلا أبو جهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ونبيه ومنبه ابنا حجاج وأبو البحتري بن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وأبي بن خلف وزمعة بن الأسود والحرث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب، وكلهم من قريش، وكان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشرة جزور.
وقال سعيد بن جبير وابن بزى: نزلت في أبي سفيان بن حرب، استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي صلى الله عليه وسلم سوى من استجاب له من العرب، وفيهم يقول كعب بن مالك:
فجئنا إلى موج من البحر وسطه ... أحابيش منهم حاسر ومقنع
ثلاثة آلاف ونحن بقية ... ثلاث مئين إن كثرنا فأربع
وقال الحكم بن عتبة: أنفق أبو سفيان على المشركين يوم أحد أربعين أوقية فنزلت فيه الآية.
(1/84)
وقال محمد بن إسحاق عن رجاله: لما أصيب قريش يوم بدر فرجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير تجارة، فقالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال الذي أفلت على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا بمن أصيب منا، ففعلوا، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
قوله تعالى (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) أخبرنا أبو بكر بن الحرث قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال: حدثنا صفوان بن المغلس قال: حدثنا إسحاق بن بشر قال: حدثنا خلف بن خليفة عن ابن هشام الزماني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلا، ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين).
قوله تعالى (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) الآية. قال مجاهد: كان عمر بن الخطاب يرى الرأي فيوافق رأيه ما يجيء من السماء، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار في أسارى بدر فقال: المسلمون بنو عمك أفدهم، قال عمر: لا يا رسول الله اقتلهم، قال: فنزلت هذه الآية (ما كان لنبي أن يكون له أسرى).
وقال ابن عمر: استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسارى أبا بكر فقال: قومك وعشيرتك خل سبيلهم، واستشار عمر فقال: اقتلهم، ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) إلى قوله تعالى (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) قال: فلقي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري قال: أخبرنا حاجب بن أحمد قال: حدثنا محمد بن حماد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأصلك استبقهم واستأن بهم لعل الله عز وجل يتوب عليهم، وقال عمر كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة: انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم اضرم عليهم نارا، فقال العباس: قطعت رحمك، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم، ثم دخل فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله، ثم خرج عليهم فقال: إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله عز وجل ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وأن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال (من تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم) ومثلك يا عمر كمثل نوح قال (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم عالة أنتم اليوم عالة، فلا ينقلبن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق؟ قال: فأنزل الله عز وجل (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) إلى آخر الآيات الثلاث.
(1/85)
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو نوح قراد قال: حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا سماك الحنفي أبو زميل قال: حدثني ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر والتقوا فهزم الله المشركين وقتل منهم سبعون رجلا وأسر سبعون رجلا استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا، فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب، قال: قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أن تمكنني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله عز وجل أنه ليس في قلوبنا موادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد قال عمر: غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وإذا هما يبكيان فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عرض على أصحابك من الفداء، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة، وأنزل الله عز وجل (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) إلى قوله (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم) - من الفداء - (عذاب عظيم). رواه مسلم في الصحيح عن هناد بن السري، عن ابن المبارك، عن عكرمة بن عمارة. قوله تعالى (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) الآية. قال الكلبي: نزلت في العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث، وكان العباس أسر يوم بدر ومعه عشرون أوقية من الذهب كان خرج بها معه إلى بدر ليطعم بها الناس، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام أهل بدر، ولم يكن بلغته النوبة حتى أسر، فأخذت معه وأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، قال: فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لي العشرين الأوقية الذهب التي أخذها مني من فدائي، فأبى علي وقال: إما شيء خرجت تستعين به علينا فلا، وكفلني فداء ابن أخي عقيل بن أبي طالب عشرين أوقية من فضة، فقلت له: تركتني والله أسال قريشا بكفي والناس ما بقيت، قال: فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل مخرجك إلى بدر وقلت لها: إن حدث بي حدث في وجهي هذا فهو لك ولعبد الله والفضل وقثم، قال: قلت وما يدريك؟ قال: أخبرني الله بذلك، قال: أشهد أنك لصادق وإني قد دفعت إليها ذهبا ولم يطلع عليها أحد إلا الله، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال العباس: فأعطاني الله خيرا مما أخذ مني، كما قال: عشرين عبدا كلهم يضرب بمال كبير مكان العشرين أوقية، وأنا أرجو المغفرة من ربي.
سورة براءة
قوله تعالى (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر) قال ابن عباس: نزلت في أبي سفيان بن حرب والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد، وهم الذين هموا بإخراج الرسول.
قوله تعالى (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) قال المفسرون لما أسر العباس يوم بدر أقبل عليه المسلمون فعيروه بكفره وقطيعة الرحم، وأغلظ علي له القول، فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا، فقال له علي: ألكم محاسن؟ قال: نعم، إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحاج، ونفك العاني، فأنزل الله عز وجل ردا على العباس (ما كان للمشركين أن يعمروا) الآية.
(1/86)
قوله تعالى " أجعلتم سقاية الحاج) الآية. أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي رحمه الله قال: أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله المنادي قال: أخبرنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي قال: حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام قال: حدثنا معمر بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أسقي الحاج، وقال الآخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة، ولكني إذا صليت دخلت فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفتم فيه، ففعل، فأنزل الله تعالى (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) إلى قوله تعالى (والله لا يهدي القوم الظالمين). رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني، عن أبي توبة.
وقال ابن عباس في رواية الوالبي: قال العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج ونفك العاني، فأنزل الله تعالى (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) الآية.
وقال الحسن والشعبي والقرظي: نزلت الآية في علي والعباس وطلحة بن شيبة وذلك أنهم افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه وإلي ثياب بيته، وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، وقال علي ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن سيرين ومرة الهمذاني: قال علي للعباس: ألا تهاجر، ألا تلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألست في أفضل من الهجرة؟ ألست أسقي حاج بيت الله، وأعمر المسجد الحرام؟ فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم) الآية قال الكلبي: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه وأخيه وامرأته: إنا قد أمرنا بالهجرة، فمنهم من يسرع إلى ذلك ويعجبه، ومنهم من يتعلق به زوجته وعياله وولده، فيقولون: نشدناك الله أن تدعنا إلى غير شيء فنضيع، فيرق فيجلس معهم ويدع الهجرة، فنزلت يعاتبهم (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم) الآية. ونزلت في الذين تخلفوا بمكة ولم يهاجروا قوله تعالى (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم) إلى قوله (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) يعني القتال وفتح مكة.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل) نزلت في العلماء والقراء من أهل الكتاب كانوا يأخذون الرشا من سفلتهم، وهي المأكل التي كانوا يصيبونها من عوامهم.
قوله تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) الآية. أخبرنا أبو إسحاق المقري قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن نصير قال: حدثنا عمرو بن زرارة قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا حصين عن زيد بن وهب قال: مررت بالزبدة فإذا أنا بأبي ذر فقلت له: ما أنزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، وكان بيني وبينه كلام في ذلك، وكتب إلى عثمان يشكو مني، وكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة فقدمتها، وكثر الناس علي حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان فقال إن شئت تنحيت وكنت قريبا، فذلك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت، رواه البخاري، عن قيس، عن جرير، عن حصين. ورواه أيضا عن علي، عن هشيم.
(1/87)
والمفسرون أيضا مختلفون، فعند بعضهم أنها في أهل الكتاب خاصة. وقال السدي: هي في أهل القبلة. وقال الضحاك: هي عامة في أهل الكتاب والمسلمين. قال وقال عطاء ابن عباس في قوله تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة) قال: يريد من المؤمنين.
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن إبراهيم النجار قال: حدثنا سليمان بن أيوب الطبراني قال: حدثنا محمد بن داود بن صدقة قال: حدثنا عبد الله بن معافى قال: حدثنا شريك، عن محمد بن عبد الله المرادي، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي جعدة، عن ثوبان قال: لما نزلت (والذين يكنزون الذهب والفضة) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبا للذهب والفضة، قالوا: يا رسول الله فأي المال نكنز؟ قال: قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة صالحة.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا) الآية. نزلت في الحث على غزوة تبوك، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف وغزوة حنين أمر بالجهاد لغزو الروم، وذلك في زمان عسرة من البأس وجدب من البلاد وشدة من الحر، حين أخرقت النخل وطابت الثمار، فعظم على الناس غزو الروم وأحبوا الظلال والمقام في المساكن والمال، وشق عليهم الخروج إلى القتال، فلما علم الله تثاقل الناس أنزل هذه الآية.
قوله تعالى (انفروا خفافا وثقالا) نزلت في الذين اعتذروا بالضيعة والشغل وانتشار الأمر، فأبى الله أن يعذرهم دون أن ينفروا على ما كان منهم.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: حدثنا إبراهيم بن علي قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن ابن جدعان، عن أنس قال: قرأ أبو طلحة (انفروا خفافا وثقالا) فقال: ما أسمع الله عذر أحدا، فخرج مجاهدا إلى الشام حتى مات.
وقال السدي: جاء المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عظيما ثمينا، فشكا إليه وسأله أن يأذن له، فنزلت، فيه (انفروا خفافا وثقالا) فلما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس، فنسخها الله تعالى وأنزل (ليس على الضعفاء ولا على المرضى) الآية، ثم أنزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين قوله تعالى (لو كان عرضا قريبا) الآية. وقوله تعالى (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج عسكره على ثنية الوداع، وضرب عبد الله بن أبي عسكره على ذي حده أسفل من ثنية الوداع، ولم يكن بأقل العسكرين، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي بمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، فأنزل الله تعالى يعزي نبيه (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) الآية.
قوله تعالى (ومنهم من يقول ائذن لي) الآية. نزلت في جد بن قيس المنافق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تجهز لغزوة تبوك قال له: يا أبا وهب هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم سراري ووصفاء؟ فقال: يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بالنساء، وأني خشيت إن رأيت بنات الأصفر أن لا أصبر عنهن فلا تفتني بهن وائذن لي في القعود عنك وأعينك بمالي، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك، فأنزل الله هذه الآية، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني سلمة، وكان الجد منهم: من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا: الجد بن قيس غير أنه بخيل جبان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأي داء أدوأ من البخل، بل سيدكم الأبيض الفتى الجعد بشر بن البراء بن معرور، فقال فيه حسان بن ثابت:
وقال رسول الله والحق لاحق ... بمن قال منا من تعدون سيدا
فقلنا له جد بن قيس على الذي ... نبخله فينا وإن كان أنكدا
فقال وأي الداء أدوى من الذي ... رميتم به جدا وعالى بها يدا
وسود بشر بن البراء بجوده ... وحق لبشر ذى الندا أن يسودا
إذا ما أتاه الوفد أنهب ماله ... وقال خذوه إنه عائد غدا
(1/88)
وما بعد هذه الآية كلها للمنافقين إلى قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء) الآية.
قوله تعالى (ومنهم من يلمزك في الصدقات) الآية. أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: حدثنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج، فقال أعدل فينا يا رسول الله، فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ فنزلت (ومنهم من يلمزك في الصدقات) الآية. رواه البخاري عن عبيد بن محمد، عن هشام، عن معمر.
وقال الكلبي: نزلت في المؤلفة قلوبهم وهم المنافقون، قال رجل يقال له أبو الخواصر للنبي عليه الصلاة والسلام: لم تقسم بالسوية، فأنزل الله تعالى (ومنهم من يلمزك في الصدقات).
قوله تعالى (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) الآية. نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون الرسول ويقولون ما لا ينبغي، قال بعضهم: لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا فقال الجلاس بن سويد نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول، فإنما محمد أذن سامعة، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال محمد بن إسحاق بن يسار وغيره، نزلت في رجل من المنافقين يقال نبتل بن الحارث، وكان رجلا أذلم أحمر العينين أسفع الخدين مشوه الخلقة، وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث، وكان ينم حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين، فقيل له: لا تفعل، فقال: إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه نقول ما شئنا، ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال السدي: اجتمع ناس من المنافقين فيهم جلاس بن سويد بن الصامت ووديعة بن ثابت فأرادوا أن يقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم وعندهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس فحقروه، فتكلموا وقالوا: لئن كان ما يقوله محمدا حقا لنحن أشر من الحمير، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فدعاهم فسألهم، فحلفوا أن عامرا كاذب وحلف عامر أنهم كذبة، وقال: اللهم لا تفرق بيننا حتى تبين صدق الصادق من كذب الكاذب، فنزلت فيهم (ومنهم الذين يؤذون النبي) ونزل قوله (يحلفون بالله لكم ليرضوكم).
قوله تعالى (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم) الآية. قال السدي: قال بعض المنافقين: والله لوددت أني قدمت فجلدت مائة جلدة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا، فأنزل الله هذه الآية. وقال مجاهد: كانوا يقولون القول بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا.
قوله تعالى (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) قال قتادة: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وبين يديه ناس من المنافقين إذ قالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات له ذلك، فأطلع الله نبيه على ذلك، فقال نبي الله: اجلسوا على الركب فأتاهم فقال: قلتم كذا وكذا، فقالوا: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال زيد بن أسلم ومحمد بن وهب: قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث بحديث الركب نقطع به عنا الطريق.
(1/89)
أخبرنا أبو نصير محمد بن عبد الله الجوزقي، أخبرنا بشر بن أحمد بن بشر، حدثنا أبو جعفر محمد بن موسى الحلواني، حدثنا محمد بن ميمون الخياط، حدثنا إسماعيل بن داود المهرجاني، حدثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر قال: رأيت عبد الله بن أبي يسر قدام النبي صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكته وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون.
قوله تعالى (يحلفون بالله ما قالوا) الآية. قال الضحاك: خرج المنافقون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وكانوا إذا خلا بعضهم ببعض سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وطعنوا في الدين، فنقل ما قالوا حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أهل النفاق ما هذا الذي بلغني عنكم، فحلفوا ما قالوا شيئا من ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية كذابا لهم.
وقال قتادة ذكر لنا أن رجلين اقتتلا، رجلا من جهينة ورجلا من غفار، فظهر الغفاري على الجهيني، فنادى عبد الله بن أبي يا بني الأوس انصروا أخاكم، فوالله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، فوالله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فسمع بها رجل من المسلمين، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل إليه، فجعل يحلف بالله ما قال، وأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وهموا بما لم ينالوا) قال الضحاك: هموا أن يدفعوا ليلة العقبة وكانوا قوما قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم معه يلتمسون غرته حتى أخذ في عقبة، فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم وذلك كان ليلا، قالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، وكان قائده في تلك الليلة عمار بن ياسر وسائقه حذيفة فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين، فقال: إليكم يا أعداء الله فأمسكوا، ومضى النبي عليه الصلاة والسلام حتى نزل منزله الذي أراد، فأنزل الله تعالى قوله (وهموا بما لم ينالوا).
(1/90)
قوله تعالى (ومنهم من عاهد الله) الآية. أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الفضل، حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر قال: حدثنا أبو عمران موسى بن سهل الحوني قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا محمد بن شعيب قال: حدثنا معاذ بن رفاعة السلمي عن أبي عبد الملك علي بن يزيد أنه أخبره عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة الباهلي، أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، ثم قال مرة أخرى: أما ترضى أن تكون مثل نبي الله، فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسيل معي الجبال فضة وذهبا لسالت، فقال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يرزقني مالا لأوتين كل ذي حق حقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزق ثعلبة مالا، فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها، فنزل واديا من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما، ثم نميت وكثرت حتى ترك الصلاة إلى الجمعة وهي تنمو كما ينمو الدود حتى ترك الجمعة، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل ثعلبة فقالوا: اتخذ غنما وضاقت عليه المدينة وأخبروه بخبره، فقال: يا ويح ثعلبة ثلاثا، وأنزل الله عز وجل (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وأنزل فرائض الصدقة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة رجلا من جهينة ورجلا من بني سليم، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة، وقال لهما: مرا بثعلبة وبفلان رجل من بني سليم، فخذا صدقاتهما، فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، ما أدري ما هذا، انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إلي، فانطلقا وأخبرا السلمي، فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهم بها، فلما رأوها قالوا: ما يجب هذا عليك وما نريد أن نأخذه منك، قال: بلى خذوه فإن نفسي بذلك طيبة، وإنما هي إبلي فأخذوها منه ، فلما فرغا من صدقتهما رجعا حتى مرا بثعلبة فقال أروني كتابكما أنظر فيه، فقال: ما هذه إلا أخت الجزية انطلقا حتى أرى رأيي، فانطلقا حتى أتيا النبي عليه الصلاة والسلام، فلما رآهما قال: يا ويح ثعلبة قبل أن يكلمهما ودعا للسلمي بالبركة، وأخبروه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي، فأنزل الله عز وجل (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن) إلى قوله تعالى (وبما كانوا يكذبون) وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك، فخرج حتى أتى ثعلبة فقال: ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي عليه الصلاة والسلام فسأله أن يقبل منه صدقته فقال: إن الله قد منعني أن أقبل صدقتك، فجعل يحثو التراب على رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني، فلما أبى أن يقبل منه شيئا رجع إلى منزله، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئا، ثم أتى أبا بكر رضي الله عنه حين استخلف، فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي من الأنصار فاقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها رسول الله وأنا أقبلها؟ فقبض أبو بكر وأبى أن يقبلها، فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتاه فقال: يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا أبو بكر أنا أقبلها منك؟ فلم يقبضها، وقبض عمر رضي الله عنه، ثم ولي عثمان رضي الله عنه، فأتاه فسأله أن يقبل صدقته فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبلها ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها؟ فلم يقبلها عثمان، فهلك ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عنه.
(1/91)
قوله تعالى (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) الآية. أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا أبو علي الفقيه، أخبرنا أبو علي محمد بن سليمان المالكي قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي، حدثنا شعبة عن سليمان، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: لما نزلت آية الصدقة جاء رجل فتصدق بصاع، فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا، فنزلت (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم) رواه البخاري عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد، عن أبي النعمان. وقال قتادة وغيره: حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال: يا رسول الله مالي ثمانية آلاف جئتك بنصفها فاجعلها في سبيل الله، وأمسكت نصفها لعيالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت، فبارك الله في مال عبد الرحمن حتى أنه خلف امرأتين يوم مات، فبلغ ثمن ماله لهما مائة وستين ألف درهم، وتصدق يومئذ عاصم بن عدي بن العجلان بمائة وسق من تمر، وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر وقال: يا رسول الله بت ليلتي أجر بالجرير أحبلا حتى نلت صاعين من تمر، فأمسكت أحدهما لأهلي وأتيتك بالآخر، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في الصدقات، فلمزهم المنافقون وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء، وإن كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبي عقيل، ولكنه أحب أن يزكي نفسه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا). حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الواعظ إملاء، أخبرنا يوسف بن عاصم الرازي، حدثنا العباس بن الوليد النرسي، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا عبد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلوات الله عليه وقال: أعطني قميصك حتى أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه ثم قال: آذني حتى أصلي عليه، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر بن الخطاب وقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال: أنا بين خيرتين أستغفر لهم أو لا أستغفر، ثم نزلت عليه هذه الآية (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) فترك الصلاة عليهم رواه البخاري عن مسدد، ورواه مسلم عن أبي قدامة عبيد الله بن أبي سعيد، كلاهما عن يحيى بن سعيد.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي، أخبرنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي عن محمد بن إسحاق، حدثني الزهري، عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا وكذا كذا، أعدد أيامه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، حتى إذا كثرت عليه قال: أخر عني يا عمر إني خيرت فاخترت، قد قيل لي (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) لو علمت أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت قال: صلى صلى الله عليه وسلم ومشى معه، فقام على قبره حتى فرغ منه قال: فعجبت لي وجراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم. قال: فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزل (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) الآية. فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره حتى قبضه الله تعالى. قال المفسرون: وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل بعبد الله بن أبي، فقال: وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله، والله إني كنت أرجو أن يسلم به ألف من قومه.
(1/92)
قوله تعالى (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) نزلت في البكائين وكانوا سبعة معقل بن يسار وصخر بن خنيس وعبد الله بن كعب الأنصاري وسالم بن عمير وثعلبة بن غنمة وعبد الله بن مغفل، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله إن الله عز وجل قد ندبنا للخروج معك، فاحملنا على الخفاف المرفوعة والنعال المخصوفة نغزو معك، فقال: لا أجد ما أحملكم عليه، فتولوا وهم يبكون. وقال مجاهد: نزلت في بني مقرن معقل وسويد والنعمان.
قوله تعالى (الأعراب أشد كفرا ونفاقا) نزلت في أعاريب من أسد وغطفان، وأعاريب من أعاريب حاضري المدينة.
قوله تعالى (وممن حولكم من الأعراب منافقون) قال الكلبي: نزلت في جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار من أهل المدينة، يعني عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن بشير والجلاس بن سويد وأبي عامر الراهب.
قوله تعالى (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) قال ابن عباس في رواية ابن الوالبي: نزلت في قوم كانوا قد تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ثم ندموا على ذلك، وقالوا: نكون في الكن والظلال مع النساء ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الجهاد، والله لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون الرسول هو يطلقها ويعذرنا، وأوثقوا أنفسهم بسواري المسجد، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بهم فرآهم، فقال: من هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء تخلفوا عنك، فعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم وترضى عنهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى أؤمر بإطلاقهم، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلما نزلت أرسل إليهم النبي صلوات الله عليه وأطلقهم وعذرهم، فلما أطلقهم قالوا: يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها عنا وطهرنا واستغفر لنا، فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا، فأنزل الله عز وجل (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) الآية. وقال ابن عباس: كانوا عشرة رهط.
قوله تعالى (وآخرون مرجون لأمر الله) الآية. نزلت في كعب بن مالك ومرارة بن الربيع أحد بني عمرو بن عوف وهلال بن أمية من بني واقف تخلفوا عن غزوة تبوك، وهم الذين ذكروا في قوله تعالى (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) الآية.
(1/93)
قوله تعالى (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) قال المفسرون: إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم، فأتاهم فصلى فيه، فحسدهم إخوتهم بنو عمرو بن عوف، وقالوا: نبني مسجدا ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه كما يصلي في مسجد إخواننا، وليصل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية وتنصر ولبس المسوح، وأنكر دين الحنيفية لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعاداه وسماه النبي عليه الصلاة والسلام أبا عامر الفاسق وخرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، وابنوا لي مسجدا فإني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند الروم، فأخرج محمدا وأصحابه فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء، وكان الذي بنوه اثني عشر رجلا حزام بن خالد، ومن داره أخرج إلى المسجد وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وأبو حبيبة بن الأرعد وعباد بن حنيف وحارثة وجارية وابناه مجمع وزيد ونبتل بن حارث ولحاد بن عثمان ووديعة بن ثابت، فلما فرغوا منه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فدعا بقميصه ليلبسه فيأتيهم، فنزل عليه القرآن وأخبر الله عز وجل خبر مسجد الضرار وما هموا به، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن يشكر والوحشي قاتل حمزة، وقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه واحرقوه، فخرجوا وانطلق مالك وأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا، ثم دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه وتفرق عنه أهله، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة، ومات أبو عامر بالشام وحيدا غريبا.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، حدثنا العباس بن إسماعيل بن عبد الله بن ميكال، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى الأهوازي، أخبرنا إسماعيل بن زكريا، حدثنا داود بن الزبرقان عن صخر بن جويرية، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها قال: إن المنافقين عرضوا بمسجد يبنونه يضاهون به مسجد قباء، وهو قريب منه لأبي عامر الراهب يرصدونه إذا قدم ليكون إمامهم فيه، فلما فرغوا من بنائه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا بنينا مسجدا فصل فيه حتى نتخذه مصلى، فأخذ ثوبه ليقوم معهم، فنزلت هذه الآية (لا تقم فيه أبدا).
قوله تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) الآية. قال محمد بن كعب القرظي: لما بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفسا، قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، قالوا: فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا؟ قال: الجنة، قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن حميرويه الهروي، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي، حدثنا أبو اليمان قال: أخبرني شعيب عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال: أي عم قل معي لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وابن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنه، فنزلت (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) رواه البخاري عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري. ورواه مسلم عن حرملة، عن ابن وهب، عن يونس، كلاهما عن الزهري.
(1/94)
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو النيسابوري، أخبرنا الحسن بن علي بن مؤمل، أخبرنا عمرو بن عبد الله البصري، أخبرنا موسى بن عبيدة قال: أخبرنا محمد بن كعب القرظي، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، أخبرنا جعفر بن عون قال: بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه التي قبض فيها، قالت له قريش: يا أبا طالب أرسل إلى ابن أخيك، فيرسل إليك من هذه الجنة التي ذكرها تكون لك شفاء، فخرج الرسول حتى وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر جالسا معه فقال: يا محمد إن عمك يقول إني كبير ضعيف سقيم، فأرسل إلي من جنتك هذه التي تذكر من طعامها وشرابها شيئا يكون لي فيه شفاء، فقال أبو بكر إن الله حرمها على الكافرين، فرجع إليهم الرسول، فقال: بلغت محمدا الذي أرسلتموني به فلم يحر إلى شيئا. وقال أبو بكر: إن الله حرمها على الكافرين، فحملوا أنفسهم عليه حتى أرسل رسولا من عنده، فوجد الرسول في مجلسه، فقال له مثل ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم على الكافرين طعامها وشرابها، ثم قام في إثر الرسول حتى دخل معه بيت أبي طالب، فوجده مملوءا رجالا فقال: خلوا بيني وبين عمي، فقالوا: ما نحن بفاعلين ما أنت أحق به منا، إن كانت لك قرابة فلنا قرابة مثل قرابتك، فجلس إليه فقال: يا عم جزيت عني خيرا، يا عم أعني على نفسك بكلمة واحدة أشفع لك بها عند الله يوم القيامة، قال: وما هي يا ابن أخي؟ قال: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقال: إنك لي ناصح والله لولا أن تعير بها فيقال: جزع عمك من الموت لأقررت بها عينك، قال: فصاح القوم: يا أبا طالب أنت رأس الحنيفية ملة الأشياخ، فقال: لا تحدث نساء قريش أن عمك جزع عند الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أزال أستغفر لك ربي حتى يردني، فاستغفر له بعد ما مات، فقال المسلمون ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قراباتنا قد استغفر إبراهيم لأبيه، وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر لعمه، فاستغفروا للمشركين حتى نزل (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى).
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد الحراني، حدثنا محمد بن عبد الله بن نعيم، حدثنا محمد بن يعقوب الأموي، حدثنا الحر بن نصير، حدثنا ابن وهب، أخبرنا ابن جريج، عن أيوب بن هانيء، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد الله بن مسعود قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في المقابر وخرجنا معه فأخذنا مجلسنا، ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم ارتفع وجئنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم باك، فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه أقبل إلينا فتلقاه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله ما الذي أبكاك فقد أبكانا وأفزعنا، فجاء فجلس إلينا فقال: أفزعكم بكائي؟ فقلنا: نعم، فقال: إن القبر الذي رأيتموني أناجي فيه قبر آمنة بنت وهب، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي فيها واستأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه، ونزل (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) حتى ختم الآية. (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) - فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة، فذلك الذي أبكاني.
قوله تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) قال ابن عباس في رواية الكلبي: لما أنزل الله تعالى عيوب المنافقين لتخلفهم عن الجهاد قال المؤمنون: والله لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سرية أبدا، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرايا إلى العدو نفر المسلمون جميعا وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده بالمدينة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
سورة يونس
بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس) الآية. قال ابن عباس: لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا أنكرت الكفار، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
(1/95)
قوله تعالى (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا) الآية. قال مجاهد: نزلت في مشركي مكة. قال مقاتل: وهم خمسة نفر عبد الله بن أبي أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ائت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى. وقال الكلبي: نزلت في المستهزئين قالوا: يا محمد ائت بقرآن غير هذا فيه ما نسألك.
سورة هود
بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى (ألا إنهم يثنون صدورهم) الآية. نزلت في الأخنس بن شريق، وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر، يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحب ويطوي بقلبه ما يكره. وقال الكلبي: كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم يظهر له أمرا يسره ويضمر في قلبه خلاف ما يظهر، فأنزل الله تعالى (ألا إنهم يثنون صدورهم) يقول يكنون ما في صدورهم من العداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) الآية. أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: حدثنا إبراهيم بن علي قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن آتيها، وأنا هذا فاقض في ما شئت، قال: فقال عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق الرجل فأتبعه رجلا ودعاه فتلا عليه هذه الآية، فقال رجل: يا رسول الله هذا له خاصة؟ قال: لا بل للناس كافة. رواه مسلم عن يحيى. ورواه البخاري من طريق يزيد بن زريع.
وأخبرنا عمر بن أبي عمر، أخبرنا محمد بن مكي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، حدثنا بشر بن يزيد بن زريع قال: حدثنا سليمان التميمي، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن مسعود، أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل) إلى آخر الآية، فقال الرجل: ألي هذه؟ قال: لمن عمل بها من أمتي.
أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال: حدثنا محمد بن يعقوب الأموي قال: حدثنا العباس الدوري، حدثنا أحمد بن حنبل المروزي قال: حدثنا ابن المبارك قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا عثمان بن مؤمن، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليسر بن عمرو قال: أتتني امرأة وزوجها بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في بعث، فقالت بعني بدرهم تمرا، قال: فأعجبتني، فقلت: إن في البيت تمرا هو أطيب من هذا فالحقيني، فغمزتها وقبلتها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه الأمر، فقال: خنت رجلا غازيا في سبيل الله في أهله بهذا، وأطرق عني فظننت أني من أهل النار، وأن الله لا يغفر لي أبدا، وأنزل الله تعالى (أقم الصلاة طرفي النهار) الآية. فأرسل إلي النبي صلى الله عليه وسلم فتلاها علي.
(1/96)
أخبرنا نصر بن بكر بن أحمد الواعظ قال: أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد السجزي قال: أخبرنا محمد بن أيوب الرازي قال: أخبرنا علي بن عثمان وموسى بن إسماعيل وعبيد الله بن العاصم واللفظ لعلي قالوا: أخبرنا حماد بن سلمة قال: حدثنا علي بن يزيد، عن يوسف بن ماهان، عن ابن عباس أن رجلا أتى عمر فقال: إن امرأة جاءتني تبايعني فأدخلتها الدولج، فأصبت منها كل شيء إلا الجماع، فقال: ويحك لعلها مغيب في سبيل الله، قلت: أجل، قال: ائت أبا بكر، فقال ما قال لعمر ورد عليه مثل ذلك، وقال: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مثل ما قال لأبي بكر وعمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلها مغيب في سبيل الله فقال: نعم، فسكت عنه ونزل القرآن (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات) فقال الرجل: ألي خاصة يا رسول الله، أم للناس عامة؟ فضرب عمر صدره وقال: لا ولا نعمة عين ولكن للناس عامة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: صدق عمر.
أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد الطوسي قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا الحبر بن إسماعيل المحاملي قال: حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا جرير، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل أنه كان قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل فقال: يا رسول الله ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا قد أصابه منها إلا أنه لم يجامعها، فقال: توضأ وضوءا حسنا ثم قم فصل، قال: فأنزل الله تعالى هذه الآية (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل) إلى آخرها، فقال معاذ بن جبل: أهي له أم للمسلمين عامة؟ فقال: بل هي للمسلمين عامة.
أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الروزباري قال: أخبرنا حاجب بن أحمد قال: أخبرنا عبد الرحيم بن منيب قال: حدثنا الفضل بن موسم الشيباني قال: حدثنا سفيان الثوري، عن سماك بن حرب، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن سويد، عن ابن مسعود أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أصبت من امرأة غير أني لم آتها، فأنزل الله تعالى (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات).
سورة يوسف
بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى (نحن نقص عليك أحسن القصص) الآية. أخبرنا عبد القاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسن القاص قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدثنا عمرو بن محمد القرشي قال: حدثنا خلاد بن مسلم الصفار، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص في قوله عز وجل (نحن نقص عليك أحسن القصص) قال: أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله لو قصصت، فأنزل الله تعالى (الر تلك آيات الكتاب المبين) إلى قوله (نحن نقص عليك أحسن القصص) الآية، فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا، فأنزل الله تعالى (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) قال: كل ذلك ليؤمنوا بالقرآن. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر العنبري، عن محمد بن عبد السلام، عن إسحاق بن إبراهيم.
وقال عون بن عبد الله: مل أصحاب رسول الله ملة فقالوا: يا رسول الله حدثنا، فأنزل الله تعالى (الله نزل أحسن الحديث) الآية، قال: ثم إنهم ملوا ملة أخرى فقالوا: يا رسول الله فوق الحديث ودون القرآن، يعنون القصص، فأنزل الله تعالى (نحن نقص عليك أحسن القصص) فأرادوا الحديث فدلهم على أحسن الحديث، وأرادوا القصص فدلهم على أحسن القصص.
سورة الرعد
(1/97)
بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) أخبرنا نصر بن أبي نصر الواعظ قال: أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن نصر قال: أخبرنا محمد بن أيوب الرازي قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا علي بن أبي سارة الشيباني قال: حدثنا ثابت عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا مرة إلى رجل من فراعنة العرب، فقال: اذهب فادعه لي، فقال: يا رسول الله إنه أعتى من ذلك، قال: اذهب فادعه لي، قال: فذهب إليه فقال: يدعوك رسول الله،قال وما الله أمن ذهب هو أو من فضة أو من نحاس؟ قال: فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، وقال: وقد أخبرتك أنه أعتى من ذلك، فقال لي كذا وكذا، فقال: ارجع إليه الثانية فادعه، فرجع إليه فعاد عليه مثل الكلام الأول، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ارجع إليه، فرجع الثالثة فأعاد عليه ذلك الكلام، فبينا هو يكلمني إذ بعثت إليه سحابة حيال رأسه فرعدت فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه، فأنزل الله تعالى (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال).
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح وابن جريج وابن زيد: نزلت هذه الآية والتي قبلها في عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة، وذلك أنهما أقبلا يريدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله هذا عامر بن طفيل قد أقبل نحوك، فقال دعه فإن يرد الله به خيرا يهده، فأقبل حتى قام عليه، فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت؟ قال: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، قال: تجعل لي الأمر بعدك؟ قال لا ليس ذلك إلي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء قال: فتجعلني على الوبر وأنت على المدر؟ قال: لا، قال: فماذا تجعل لي؟ قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها، قال: أوليس ذلك إلي اليوم؟ وكان أوصى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف، فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه، فدار أربد خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه، فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله تعالى فلم يقدر على سله، وجعل عامر يومئ إليه، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع بسيفه، فقال: اللهم اكفنيهما بما شئت، فأرسل الله تعالى على أربد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته، وولى عامر هاربا وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد، والله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمنعك الله تعالى من ذلك وابنا قيلة، يريد الأوس والخزرج، فنزل عامر بيت امرأة سلولية، فلما أصبح ضم عليه سلاحه، فخرج وهو يقول: واللات لئن أصحر محمد إلي وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذنهما برمحي، فلما رأى الله تعالى ذلك منه أرسل ملكا فلطمه بجناحيه فأذراه في التراب، وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير وموت في بيت السلولية، ثم مات على ظهر فرسه، وأنزل الله تعالى فيه هذه القصة (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) حتى بلغ (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال).
قوله تعالى (وهم يكفرون بالرحمن) قال أهل التفسير: نزلت في صلح الحديبية حين أرادوا كتاب الصلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو والمشركون: ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، اكتب باسمك اللهم، وهكذا كانت الجاهلية يكتبون، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال ابن عباس في رواية الضحاك: نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اسجدوا للرحمن، قالوا: وما الرحمن؟ أنسجد لما تأمرنا؟ الآية. فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال: قل لهم إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته هو ربي لا إله إلا هو.
Ei kommentteja:
Lähetä kommentti