torstai 27. marraskuuta 2014

أخلاق الرسول الكريم

من أسباب التمزق الظلم
الحمد لله رب العالمين، الهادي إلى سواء السبيل، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد سبق في البحث الأول ذكر الأسباب الأربعة الأولى من أسباب التفرق وهي: مخالفة الشريعة، والذنوب والمعاصي، والإعراض عن شكر النعمة، وانتشار الجهل، ونتحدث في هذا البحث عن السبب الخامس من هذه الأسباب إن شاء الله تعالى.
السبب الخامس: الظلم:
إن الظلم من أقبح الخصال التي لا تصدر إلا من نفس متجبرة متكبرة ناسية عظمة الله وشدة عقابه أو جاهلة لها أو غافله أو متغافلة عنها، حرمه الله سبحانه وتعالى -لتمام عدله- على نفسه، وجعله محرماً بين عباده؛ لأنه وضع للشيء في غير موضعه المختص به، إما بنقصان أو زيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه، وإما بمجاوزة الحق والتعدي عنه إلى الباطل وهو الجور، والتصرف في ملك الغير ومجاوزة الحد والميل عن القصد، ويقال في الكثير والقليل، ولهذا يستعمل في الذنب الكبير والذنب الصغير(1)، فعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا»(2)، وعن ابن عمر -رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة»(3)، فقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يظلمه» نفي بمعنى الأمر، وهو من باب التوكيد؛ لأن ظلم المسلم للمسلم حرام.(4)
وقد وعد الله تعالى عليه بالعذاب الشديد(5) قال سبحانه وتعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر: 52]، وحذر رسوله صلى الله عليه وسلم منه، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه»(6).
إن كل من خرج عن تعاطي العدل بالطبع وبالخلق والتخلق والتصنع والرياء والرغبة والرهبة فقد انسلخ عن الإنسانية، ومتى صار أهل كل صقع على ذلك فتهارشوا وتغالبوا وأكل قويهم ضعيفهم، ولم يبق فيهم أثر قبول لمن يمنعهم ويصدهم عن الفساد فقد جرت عادة الله سبحانه في أمثالهم بإهلاكهم واستئصالهم عن آخرهم(7)، قال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ [الأنفال: 25]، وقال سبحانه: ﴿وما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 101- 102]، وقال: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [يونس: 13]، وقال: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ * فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ﴾ [الأعراف: 4-5]، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ على يد الظالم، ومنعه من ظلمه، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل: يا رسول الله! أنصره إذا كان مظلوماً أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره»(8).
أنواع الظلم:
الظلم ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]، وهو المقصود بقوله تعالى: ﴿أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: 18]، فالظالم الأعظم هو الذي لا يدخل تحت شريعة الله تعالى، وهو المقصود بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]، ويدخل فيهم كل من عمد إلى إقصاء الشريعة عن منصة الحكم، أو قدم عليها القوانين الوضعية والحكم بالهوى، قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 18-22].
النوع الثاني: ظلم بين الإنسان وبين الناس، وهو المذكور في قوله تعالى: ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى: 40]، وبقوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى: 42]، وظلمهم بوضع الشيء في غير موضعه المختص به، و بمجاوزة الحق والحد، والميل عن القصد، والتعدي عنه إلى الباطل والجور، والتصرف في ملك الغير بغير وجه حق، ومن ظلمهم أن يتعطل عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع الناس، ولا يعطيهم منفعة، وإن من الظلم الواقع بين الإنسان وبين الناس عدم التزام أحكام الجهات المختصة فيما تضعه من أنظمة لتسيير الحياة فيما لا نص فيه بشرط ألا يتعارض ذلك مع نصوص وأحكام الشرع؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»(9).
النوع الثالث: ظلم بينه وبين نفسه، وهو المذكور في قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر: 32]، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ [القصص: 16].
وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه.(10)
دواوين الظلمة يوم القيامة:
لما كان الظلم أنواع ثلاثة كانت دواوينه يوم القيامة ثلاثة؛ لأن كل ديوان يقابله نوع، وهذه الدواوين هي:
1- ديوان لا يغفر الله منه شيئاً وهو الشرك به، فان الله لا يغفر أن يشرك به، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً﴾ [النساء: 116].
2- ديوان لا يترك الله تعالى منه شيئا، وهو ظلم العباد بعضهم بعضا، فان الله تعالى يستوفيه كله، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة، فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله كان في الدنيا»(11).
3- ديوان لا يعبأ الله به، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه عز وجل، فان هذا الديوان أخف الدواوين وأسرعها محواً؛ فانه يمحي بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفرة ونحو ذلك، بخلاف ديوان الشرك فانه لا يمحي إلا بالتوحيد، وديوان المظالم لا يمحى إلا بالخروج منها إلى أهلها واستحلالهم منها.(12)
من مضار الظلم:
للظلم أضرار وخيمة، أذكر منها ما يلي:
1- الظلم يجلب غضب الله تعالى وسخطه ويتسلط على الظالم بشتى أنواع العذاب، وكيف لا يجلب غضب الله وسخطه وهو الذي حرمه على نفسه وجعله محرماً بين عباده ونهاهم عنه، ومن أشد الظلم الجالب لغضب الله تعالى على العبد ظلم الولاة والسلاطين فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربعة يبغضهم الله - عز وجل- البياع الحلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر»(13)، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أشد أهل النار عذابا يوم القيامة: من قتل نبياً، أو قتله نبي، وإمام جائر»(14)، وفي رواية: «أشد الناس عذاباً يوم القيامة: رجل قتله نبي، أو قتل نبياً، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين»(15)(16).
2- قبول دعاء المظلوم فيه، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من دعوة المظلوم؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال: «اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب»(17)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا دعوات المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرار»(18)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين»(19).
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
تنام عيناك والمظلوم منتصب *** يدعو عليك وعين الله لم تنم.(20)
3- يخرب الديار، وبسببه تنهار الدول، ويُرفع النصر والتمكين في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ﴾ [البقرة: 270]، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم، ثم تقنع بردائه وهو على الرحل»(21).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ويروى بأن الله ينصر الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة"(22).
4- تحاشي الخلق عن الظالم وبعدهم منه؛ لخوفهم من بطشه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره»(23).
5، 6- معصيته متعدية للغير، وهو دليل على ظلمة القلب وقسوته، قال ابن الجوزي: "الظلم يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير بغير حق، ومبارزة الرب بالمخالفة، والمعصية فيه أشد من غيرها؛ لأنه لا يقع غالباً إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب؛ لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا"(24).
7- عدم الأخذ على يد الظالم يفسد الأمة؛ لأن الظلم من أعظم المنكرات، وبسببه ترفع إجابة الدعاء، ويُختم على القلوب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم»(25)، وقال: «والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرأ، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم» قال خلف: "تأطرونه: تقهرونه"(26).
وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نأخذ بيد الظالم ونمنعه عن ظلمه فقال: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل: يا رسول الله! أنصره إذا كان مظلوماً أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره»(27)، وفي رواية: «قالوا: يا رسول الله! هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه»(28).
8- يجلب كره الرسول صلى الله عليه وسلم، والخروج عن طريقته، فعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: «أعاذك الله من إمارة السفهاء، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي، لا يقتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردوا على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وأنا منهم، وسيردوا على حوضي، يا كعب بن عجرة الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، والصلاة قربان أو قال برهان، يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به، يا كعب بن عجرة الناس غاديان: فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها»(29).
9- صغار الظالم عند الله وذلته، قال الله تعالى: ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الأنعام: 124]، قال الإمام فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي: "وإنما قدم ذكر الصغار على ذكر الضرر؛ لأن القوم إنما تمردوا عن طاعة محمد عليه الصلاة والسلام طلباً للعز والكرامة، فالله تعالى بين أنه يقابلهم بضد مطلوبهم، فأول ما يوصل إليهم إنما يوصل الصغار والذل والهوان"(30)، وكذلك الظالم إنما تجاوز الحق والحد، وتعدى عنه إلى الباطل، وصار جائراً، وتصرف في ملك الغير، ومال عن القصد؛ طلباً للعز والكرامة، فسنة الله تعالى تقتضي أن يقابله بضد مطلوبه، فأول ما يوصل إليه الصغار والذل والهوان.
10- الظالم يحرم شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي: سلطان ظلوم غشوم، وغال في الدين يشهد عليهم فيتبرأ منهم»(31).
11- الظلم سبب للضلال وعدم الفلاح في الدنيا والآخرة قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام: 135]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ﴾ [إبراهيم: 27]، فلا يظفرون بمطالبهم في الدنيا ولا في الآخرة بل يبقون في الحرمان والخذلان(32)، فلا يفوزون بمطلوب ولا ينجون عن محذور.(33)
12- يسلط على الظلم أمثاله، فتجد أعوانه وحاشيته من جنسه، قال الله تعالى: ﴿وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام: 129]، أي: نجعل بعضهم ولياً لبعض، وقيل يتبع بعضهم بعضاً في دخول النار، وقيل يسلط بعضهم على بعض.(34)
قال الإمام السعدي: "أي وكما ولينا الجن المردة، وسلطانهم على إضلال أوليائهم من الإنس، وعقدنا بينهم عقد الموالاة والموافقة بسبب كسبهم وسعيهم بذلك، كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالماً مثله؛ يؤزه إلى الشر، ويحثه عليه، ويزهده في الخير، وينفره عنه، وذلك من عقوبات الله العظيمة، الشنيع أثرها، البليغ خطرها، والذنب ذنب الظالم؛ فهو الذي أدخل الضرر على نفسه، وعلى نفسه جنى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46] ومن ذلك أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم ومنعهم الحقوق الواجبة ولى عليهم ظلمة يسومونهم سوء العذاب ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله وحقوق عباده على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين"(35).
وفي بعض الآثار: "إِذا كان يوم القيامة يجتمع الظَلَمة وأَعوانهم و من أَلاق لهم دواةً وبَرَى لهم قَلَما، فيُجعلون في تابوت ويُلقَون في جهنم"(36).
إنْ كُنْتَ تحفظ ما يليكَ فإنّما *** عمالُ أَرْضِكَ بالبلادِ ذئَابُ
لن يستجيبوا للذي تدعو له *** حتى تُجلَدّ بالسيوفِ رقابُ
بأكفّ منصلتين أهل بصائرٍ *** في وقعهن مزاجرٌ وعقابُ.(37)
11- الظلم ظلمات على صاحبه يوم القيامة فعن جابر بن عبد الله -رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم»(38).
ظلم الولاة والسلاطين:
الظلم قبيح وهو من كبائر الذنوب؛ لتعدي معصيته للغير بأخذ حقوقهم بغير حق، وهو من السلطان أقبح وأفظع؛ لأن المتضرر من ظلم الولاة جماعة كبيرة من الناس، فإذا كان الله تعالى حرم الظلم بين آحاد الناس فكيف بحاكم يحكم آلاف أو مئات الآلاف أو الملايين يتضررون جميعاً من ظلمه وجوره وحيفه.
لقد ضاعت حقوق شعوب بأسرها، ونهبت خيرات البلدان العامة والخاصة، ولهذا خاف النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة من ظلم الولاة والسلاطين، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: «ثلاث أخاف على أمتي: الاستسقاء بالأنواء، وحيف السلطان، وتكذيب بالقدر»(39).
إن ما يترتب على ظلم الحاكم من فساد وفتنة جعل الحاكم الظالم الجائر أبغض الخلق إلى الله تعالى، وأشدهم الناس عذاباً يوم القيامة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربعة يبغضهم الله -عز وجل- البياع الحلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر»(40)، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أشد أهل النار عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي وإمام جائر»(41).
إن السبب الأكبر لظلم الولاة والسلاطين هو أنهم تركوا المنهج الصحيح والمنهل العذب كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واتخذوا من الكذب تحت مسمى السياسة شعاراً لهم يغرون به الناس في خطاباتهم فهلكوا وأهلكوا من صدقهم وأعانهم، وصدق وصف النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالسفهاء إذ يقول صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة: «أعاذك الله من إمارة السفهاء، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي، لا يقتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردوا على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وأنا منهم، وسيردون على حوضي»(42).
وصدق القائل إذ يقول:
وهل أهلك الدين إلا الملوك *** وأحبار سوء ورهبانها
وباعوا النفوس فلم يزرعوا *** ولم تغل بالبيع أثمانها
لقد وقع القوم في جيفة *** يبين للعاقل إنتانها.(43)
إن الناظر والمتأمل في التاريخ يجد أن معظم القلاقل والفتن والاضطرابات التي ظهرت عبره فعصفت بالمجتمعات إنما كان سببها جور السلاطين، وما كان فيه من أمن ورخاء واستقرار فبالعدل.
إن أعداء الإسلام يدركون خطر ظلم الحكام وما ينتج عنه من فوضى وقلاقل وفتن ولذا فإن من مشروعهم لتمزيق المسلمين إيجاد الفجوة بين الحاكم والمحكوم، ولذا فإنهم يفرضون على الحكومات أنظمة سياسية واقتصادية مدروسة قد خطط لها تعمل على تدمير اقتصاد البلدان، وإثارة القلاقل والفتن، وبغض الناس والشعوب لحكامهم، ويزينونها بمسميات براقة خادعة، كتسميتهم لسياسة التجويع إصلاحات اقتصادية، والعجيب تبجح العملاء والجهال الذين لا يعرفون خطرها، حتى إذا ما تحقق ذلك الهدف المنشود لهذه السياسات دسوا لهم عملاء يدعون إلى تفريق وتمزيق البلاد بدعوى التخلص من ظلم الحاكم الظالم، وبهذه الدعوى المبهرجة -دعوى التخلص من الظلم- ينخدع الكثير من الناس خصوصاً أصحاب المظالم -وقد أصبح جميع الشعب مظلوماً إذ لا قضاء مستقل ينصفهم- فيجد هؤلاء لهم قاعدة شعبية صلبة ومتينة تقف معهم ضد الطواغيت والظلمة، فهل يعقل هؤلاء الحكام ويعملون على تصحيح المسار، أم ماذا؟! ولماذا؟!
يسوسون الأنام بغير لب *** فينفذ أمرهم ويقال ساسة.(44)
أخيراً: أيها الحكام والولاة والسلاطين! إذا أردتم أن تعتقوا رقابكم من النار فإياكم والظلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكه إلا العدل أو يوبقه الجور»(45)، فكيف بظلم الملايين! وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ضرب مملوكه ظلماً أقيد منه يوم القيامة»(46)، فكيف بمن ظلم شعباً بأكمله! كيف تراه يوم القيامة حين يقف أمام الجميع ليأخذ كل ذي حق بحقه! وكفى مراوغة وتلاعباً وإلقاء باللوم على الآخرين، والتنصل عن المسؤولية؛ لأن الرأس إذا صلح ففي صلاحه الصلاح لسائر الجسد وفي فساده الفساد له، وكفى استغلالاً للأوضاع لإفشاء الظلم والفقر والجوع وإعلاء للأسعار والجرعات الاقتصادية كل ذلك سيسأل عنه الحاكم بين يدي الله تعالى إي وربي، فإن توفير الأمن الغذائي للمحكومين من واجب الحاكم تجاه من يحكمهم، ومن القواعد المقررة في الاقتصاد الإسلامي توفير حد الكفاية لكل مواطن لا حد الكفاف، فكيف بمن يدمرون اقتصاد بلدانهم وينشرون الفقر فيها ومع هذا يتغنون بأمن يكاد يكون مفقودا، مع أن الله تعالى أمتن على قريش بتوفير الأمنين: الأمن من الخوف، والأمن من الجوع، وبدأ بالأمن الغذائي لخطر غيابه فقال تعالى: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 4].
إن سياسة التجويع التي يمارسها الحكام ما هي إلا تنفيذ للمخطط الرأسمالي الساعي إلى نزع الأموال من الشعوب وجعلها في يد ثلة من الناس لا تزيد عن 20% هم الثلة الرأس مالية اليهودية؛ يهدفون من وراء ذلك إلى إذلال الشعوب وإهانتها وعولمتها لتكون لهم السيادة والكلمة وشعارهم في ذلك جوع كلبك يتبعك، ومن لا يملك قوته لا يملك قراره، وما ارتفاع المحروقات من بترول وديزل وغاز إلا لتحقيق لذلك؛ إذ بارتفاعها خصوصاً الديزل يكثر الفقر وتنتشر البطالة وترتفع السلع وتقل الزراعة الداخلية وتتحجم وتكاد تختفي، ويصبح قوت الشعوب المسلمة يأتيها من الغرب، فإذا ما رفضت هذه الشعوب أن تستجيب للمقررات الرأسمالية العالمية فرض عليها الحضر الاقتصادي الذي يركعها ويذلها، والأدهى والأمر في هذا أن معظم هؤلاء الحكام يدركون هذا تماماً ويعلمون يقيناً أن هذه الجرعات تهلك البلاد والعباد وتنفذ مخططات اليهود والنصارى، ولكن لا هم لهم إلا تثبيت العروش -كراسي الحكم- والخوف عليها من الاهتزاز حتى لو هلكت كل أمة محمد، فأصبح المكر والخديعة والأكاذيب الفظيعة سياسات حكيمة وحكوماتها رشيدة: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30].
جاء بلال إلى عمر رضي الله عنه وهو بالشام وحوله أمراء الأجناد جلوس فقال: يا عمر، فقال ها أنا عمر، فقال بلال: إنك بين الله وبين هؤلاء، وليس بينك وبين الله أحد، فانظر عن يمينك، وعن شمالك، وبين يديك، ومن خلفك، إن هؤلاء الذين حولك إن يأكلون إلا لحوم الطير فقال: صدقت والله لا أقوم من مجلسي هذا حتى تكلفون -وفي نسخ حتى تكفلوا- لكل رجل من المسلمين طعامه وحظه من الزيت والخل، فقالوا: هذا إليك يا أمير المؤمنين فقد أوسع الله علينا في الرزق وأكثر من الخير.(47)
أيها الحكام! إن الظلم مهما طال فليله سينجلي فانتبهوا من الغفلة قبل أن لا ينفع الانتباه، وبادروا إلى الإصلاح قبل فوات الأوان، ومن صدق النية وأوجد العزيمة وفقه الله تعالى وسدد خطاه وأخذ بيده إلى ما فيه صلاحه وصلاح شعبه في الدنيا والآخرة، وإلا فالهلاك في الدنيا والآخرة، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض ولم يكونوا عملوا على شيء»(48).
قال الطيبي: "فينبغي للعاقل أن يكون على حذر منها لئلا يتورط فيما يؤديه إلى النار"(49).
وقال ابن حجر: "فدل على أن المراد بذلك الإشارة إلى أن كل من يدخل في ذلك لا يسلم وأن الكل على خطر"(50).
قال ابن خلدون: "ولما وليّ عبيد الله بن الحبحاب على أفريقية من قبل هشام بن عبد الملك وأمره أن يمضي إليها من مصر فقدمها سنة أربع عشرة ومائة واستعمل عمر بن عبد الله المرادي على طنجة والمغرب الأقصى وابنه إسماعيل على السوس وما وراءه، واتصل أمر ولائهم وساءت سيرتهم في البربر ونقموا عليهم أحوالهم وما كانوا يطالبونهم به من الوصائف البربريات والأردية العسلية الألوان وأنواع طرف المغرب فكانوا يتغالبون في جمعهم ذلك وانتحاله، حتى كانت الصِّرْمَة(51) من الغنم تهلك بالذبح لاتخاذ الجلود العسلية من سخالها ولا يوجد فيها مع ذلك إلا الواحد وما قرب منه، فكثر عيثهم بذلك في أموال البربر وجورهم عليهم وامتعض لذلك ميسرة الحسن زعيم مضغرة الحسن وحمل البرابرة على الفتك بعمر بن عبد الله عامل طنجة فقتلوه سنة خمس وعشرين ومائة"(52).
أما والله إن الظلم لؤم *** وما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي *** وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا *** غدا عند الإله من الملوم.(53)
الحذر من الاغترار بالإمهال:
إن ما يرى من تنعم الظلمة وأعوانهم إنما هو استدراج وموعدهم الهلاك في الدنيا قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ [الأنعام: 44- 45]، وعن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ»: ﴿وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102](54).
فإذا نعموا طوال أعمارهم وسلموا في الدنيا فلهم الهلاك الأكبر يوم القيامة، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ﴾ [إبراهيم: 42-45]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [النحل: 28-29]، يومئذ يتنكر لهم رفيقهم الأكبر في الدنيا: ﴿وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ [إبراهيم: 22].
نعم الدواء العدل والمساواة:
العلاج والحل في العدل والمساواة وإعادة الحقوق والمظالم إلى أهلها، قال ابن القيم: "فأصل كل خير هو العلم والعدل وأصل كل شر هو الجهل والظلم"(55).
كتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه: أما بعد فإن مدينتنا قد خربت فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لها مالاً يرمها به فعل، فكتب إليه عمر: أما بعد فقد فهمت كتابك، وما ذكرت أن مدينتكم قد خربت، فإذا قرأت كتابي هذا فحصنها بالعدل، ونق طرقها من الظلم، فإنه مرمتها والسلام.(56)
ويذكر أن حاكماً صينياً كان يعيش في غابر الأزمان قد أصيب بالصمم وكان عادلاً في رعيته، فأصدر أمراً للشعب يقول فيه: على كل مظلوم أن يلبس ثوبا أحمر؛ حتى أراه بعيني بعد أن فقدت سمعي، فأصبح المظلوم يلبس ثوباً أحمراً، فيراه الحاكم العادل فيناديه؛ وذلك تحقيقاً للعدل.(57)
وبالعدل يتحقق الأمن والطمأنينة لصاحبه في الدنيا والآخرة، ويدوم الملك ولا يزول:
به فتحوا الممالك ثم سادوا *** كذاك العدل صاحبه يسود.(58)
ويحصل رضا الرب قبل رضا الخلق عن العادل، فعن أبي سعيد الخدري -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلسا، إمام عادل، وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم منه مجلسا، إمام جائر»(59)، ويسلم الخلق من شره، وأصحاب العدل هم أهل للولاية والحكم والتقدم والرفعة، والعدل يسد مسد كثير من أعمال البر والطاعة، ويؤدي إلى الصدع بالحق وعدم ممالأة الباطل، والعدل في الإسلام يعم حتى إنه ليشمل الأبعدين فضلا عن الأقربين والكافرين مع المسلمين، ويشمل التسوية حتى مع أعضاء الإنسان نفسه، وهو طريق موصل إلى الجنة.
أما المساواة(60) فتحقق الاستقرار والطمأنينة في المجتمع المسلم لما يشعر به كل فرد من أنه ليس أقل من غيره، وأنه سيحصل على حقه في التعليم والوظائف العامة ونحوها، والشعور بالمساواة يقضي على الفتن الطائفية نظراً لشعور الجميع بتساويهم في الحقوق في ظل المساواة، وروح المساواة تقضي على الغرور عند من يظنون أنفسهم فوق الناس، كما يقضي على الوهن والضعف وخور العزيمة عند من يظنون أنفسهم دونهم، وبالمساواة يطمئن كل فرد إلى عدالة الحكم، وأن السياسة التي تقوم على ذلك هي سياسة عادلة؛ لا تفرق بين الناس تبعاً لأعراقهم ووضعهم الاجتماعي، أو موقعهم من السلطة.(61)
إعداد/ محمد نعمان البعداني.
19/ رجب/ 1430هـ - 11/ 7/ 2009م.
مراجعة الدكتور/ قسطاس إبراهيم.
_____________________
(1) لسان العرب (12/ 373)، والقاموس المحيط (1/ 1464)، والمصباح المنير (2/ 386)، وتاج العروس (33/ 33)، والتعاريف للمناوي (1/ 492)، والتعريفات للجرجاني (1/ 186)، ودستور العلماء (2/ 208)، وبصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز (1/ 1072).
(2) رواه مسلم (4/ 1994) برقم: (2577).
(3) رواه البخاري (2/ 862) برقم: (2310)، ومسلم (4/ 1996) برقم: (2580).
(4) عمدة القاري (12/ 289).
(5) الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية (1/ 399).
(6) رواه البخاري (2/ 865) برقم: (2317).
(7) نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (10/ 4873).
(8) رواه البخاري (6/ 2550) برقم: (6552).
(9) رواه البخاري (6/ 2612) برقم: (6725).
(10) تاج العروس (33/ 33)، والمفردات في غريب القرآن (1/ 315، 316)، ونضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (10/ 4873) بتصرف.
(11) رواه البخاري (2/ 861) برقم: (2308).
(12) الوابل الصيب (1/ 33).
(13) رواه النسائي (5/ 86) برقم: (2576)، وابن حبان (12/ 368) برقم: (5558)، صححه الألباني في الصحيحة (1/ 704) برقم: (363).
(14) رواه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 216) برقم: (10515)، قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات، ورواه البزار إلا أنه قال: "وإمام ضلالة"، ورجاله ثقات، وكذلك رواه أحمد" مجمع الزوائد (5/ 425) برقم: (9198)، قال الألباني: "رواه الطبراني ورواته ثقات إلا ليث بن أبي سليم وفي الصحيح بعضه ورواه البزار بإسناد جيد إلا أنه قال: "وإمام ضلالة" صحيح الترغيب والترهيب (2/ 256) برقم: (2185).
(15) أي مصور، يقال مثلت بالتثقيل والتخفيف إذا صورت مثالا، والتمثال الاسم منه، وظل كل شيء تمثاله، ومثل الشيء بالشيء سواه وشبهه به وجعله مثله وعلى مثاله، النهاية في غريب الأثر (4/ 295)، وانظر: فتح الباري (10/ 383).
(16) رواه أحمد (1/ 407) برقم: (3868)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 569) برقم: (281).
(17) رواه البخاري (2/ 864) برقم: (2316)، ومسلم (1/ 50) برقم: (19).
(18) رواه الحاكم (1/ 83) برقم: (81)، وقال: "قد احتج مسلم بعاصم بن كليب والباقون من رواة هذا الحديث متفق على الاحتجاج بهم ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 265) برقم: (2228).
(19) رواه الترمذي (5/ 578) برقم: (3598)، وقال: (هذا حديث حسن).
(20) التبصرة (1/ 85)، والكبائر للذهبي (1/ 105).
(21) رواه البخاري (3/ 1237) برقم: (3200)، ومسلم (4/ 2285) برقم: (2980).
(22) مجموع الفتاوى (28/ 62، 63).
(23) رواه البخاري (5/ 2244) برقم: (5685).
(24) فتح الباري (5/ 100).
(25) رواه الترمذي (4/ 468) برقم: (2169)، وقال: (هذا حديث حسن)، وقال الألباني: (حسن لغيره) صحيح الترغيب والترهيب (2/ 286) برقم: (2313).
(26) رواه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 146) برقم: (10268)، قال الهيثمي: (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح) مجمع الزوائد (7/ 531) برقم: (12153).
(27) رواه البخاري (6/ 2550) برقم: (6552).
(28) رواه البخاري (2/ 863) برقم: (2312).
(29) رواه أحمد (3/ 321) برقم: (14481)، قال الألباني: (صحيح لغيره) انظر: صحيح الترغيب والترهيب (2/ 268) برقم: (2242).
(30) التفسير الكبير (13/ 144).
(31) رواه الطبراني في المعجم الكبير (20/ 213) برقم: (495)، والمعجم الأوسط (1/ 200) برقم: (640)، قال الهيثمي: (رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الكبير ثقات) مجمع الزوائد (5/ 423) برقم: (9195)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 263) برقم: (2218).
(32) التفسير الكبير (12/ 150).
(33) تفسير أبي السعود (7/ 1).
(34) التسهيل لعلوم التنزيل (2/ 21).
(35) تفسير السعدي (1/ 273، 274).
(36) بصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز (1/ 1074)، ونضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (10/ 4926). قوله: "ألاق لهم دواة" أي: أمسكها، غريب الحديث لابن الجوزي (1/ 36).
(37) الإيجابية والسلبية في الشعر العربي بين الجاهلية والإسلام (1/ 226)، نقلاً عن: البيان والتبيين (3/ 358).
(38) رواه مسلم (4/ 1996) برقم: (2578).
(39) رواه أحمد (5/ 89) برقم: (20864)، قال الألباني: (صحيح بشواهده الكثيرة) انظر: السلسلة الصحيحة (3/ 118) برقم: (1127).
(40) رواه النسائي (5/ 86) برقم: (2576)، وابن حبان (12/ 368) برقم: (5558)، صححه الألباني في الصحيحة (1/ 704) برقم: (363).
(41) رواه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 216) برقم: (10515)، قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات، ورواه البزار إلا أنه قال: "وإمام ضلالة"، ورجاله ثقات، وكذلك رواه أحمد" مجمع الزوائد (5/ 425) برقم: (9198)، قال الألباني: "رواه الطبراني ورواته ثقات إلا ليث بن أبي سليم وفي الصحيح بعضه ورواه البزار بإسناد جيد إلا أنه قال: "وإمام ضلالة" صحيح الترغيب والترهيب (2/ 256) برقم: (2185).
(42) سبق تخريجه (6).
(43) المجالسة وجواهر العلم (1/ 36)، وديوان عبد الله بن المبارك (1/ 27).
(44) جهود العلماء والأدباء في استنقاذ القدس من الصليبيين (1/ 3).
(45) رواه أحمد (2/ 431) برقم: (9570)، قال الألباني: "رواه أحمد بإسناد جيد رجاله رجال الصحيح" انظر: صحيح الترغيب والترهيب (2/ 258) برقم: (2198).
(46) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه الطبراني، ورواته ثقات (3/ 211)، قال الألباني: (صحيح لغيره) صحيح الترغيب والترهيب (2/ 278) برقم: (2280).
(47) رواه الطبراني في المعجم الكبير (1/ 337) برقم: (1011)، قال الهيثمي:"رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، خلا عبد اللّه بن الإمام أحمد وهو ثقة مأمون" مجمع الزوائد (5/ 384) برقم: (9078).
(48) رواه أحمد (2/ 352) برقم: (8612)، وابن حبان (10/ 335) برقم: (4483)، والحاكم (4/ 102) برقم: (7016)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، قال الألباني: (صحيح لغيره) صحيح الترغيب والترهيب (1/ 193) برقم: (788).
(49) فتح الباري (13/ 169).
(50) نفس المرجع.
(51) الصِّرْمَة: وهي القطيع من الإبل والغنم، النهاية في غريب الأثر (3/ 27)، ولسان العرب (12/ 338).
(52) تاريخ ابن خلدون (6/ 156).
(53) من شعر أبي العتاهية، انظر: الآداب الشرعية (1/ 204).
(54) رواه البخاري (4/ 1726) برقم: (4409)، ومسلم (4/ 1997) برقم: (2583).
(55) إغاثة اللهفان (2/ 137).
(56) حلية الأولياء (5/ 305).
(57) موعظة المتقين (135).
(58) ديوان أحمد محرم (1/ 375).
(59) رواه الترمذي (3/ 617) برقم: (1329)، وقال: (حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه)، ضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي (1/ 154) برقم: (225).
(60) لا يدخل في هذا المساواة بين الرجال والنساء المستوردة من الغرب والغرض الحقيقي منها إفساد المرأة؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾ [الفرقان: 2]، فقدر بُنِيَة الرجل مع ما يتناسب من الأعمال والأشغال التي من أجلها خلق، بينما قدر بنية المرأة بتركيب ناسب الوظيفة التي أوكلت إليها، فالعجيب من دعاة التسوية هؤلاء كيف يقحمون المرأة فيما لا يناسب فطرتها وخلقتها، وتحقيق المساواة التامة بين الرجال والنساء غير ممكنة شرعاً ولا عقلا، أما شرعاً فلأن الله تعالى يقول: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ﴾ [البقرة: 228]، فمن رام التسوية في كل شيء فهو ينازع الله الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها سبحانه وتعالى، وأما عقلاً فإن التركيب الجسدي للمرأة يقتضي عدم المساواة المستوردة في الأعمال والوظائف؛ لأن المرأة تحيض وتحمل وتلد وترضع، فهي ذات رسالة سامية تصنع فيها الأجيال وتربيهم، ومن أراد المساواة المزعومة فعليه أن يقبل بأن يحيض هو شهرا والمرأة شهرا، ويحمل بطنا والمرأة بطنا، ويرضع ضرعا والمرأة ضرعا، فلما كانت التسوية هنا مستحيلة دل ذلك على أن سعيكم في ظلال وإنما تريدون من المرأة شيئا آخر تلبسونه زي المساواة المكذوب، وإلا فأي عمل ومهنة أعظم مما تقوم به المرأة من صناعة وإعداد وتربية الأجيال، فلماذا ترهقونها بالأعمال التي لا طاقة لها بها؟!
قالت سلمى الحفار الكزبري -إحدى زعيمات الحركة النسائية المعاصرة-: "عُدْتُ من رحلتي للولايات المتحدة منذ خمسة أعوام وأنا أرثي لحال المرأة التي جرفها تيار المساواة الأعمى فأصْبَحَتْ شَقِيّة في كفاحها لكسب العيش، وفَقَدَتْ حتى حُريّتها".
قال (سامويل سمايلس) -وهو أحد أركان النهضة الإنجليزية-: "إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل-مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد- فإن النتيجة كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية؛ لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركان الأسرة، ومزق الروابط الاجتماعية".
إن عقلاء الغرب يرفضون التبرج والسفور والانحلال والدعوة إليه؛ لما يسببه من ضياع للأسرة، وخراب للأوطان، وتشريد للأطفال، وضياع للعفاف والشرف والكرامة، والهبوط إلى القاع والحظيظ.
إمبراطور ألمانيا: ما قام إمبراطور ألمانيا (غليوم) بزيارة تركيا، أحب أعضاء جمعية الاتحاد والترقي التركية أن يُظهروا له تمدنهم! فأخرجوا بعض بنات المدارس وهن متبرجات لاستقباله، واستغرب الإمبراطور، وقال للمسؤولين: إني كنت آمل أن أشاهد في تركيا الحشمة والحجاب بحكم دينكم الإسلامي، وإذا بي أشاهد التبرج الذي نشكو منه في أوربا، ويقودنا إلى ضياع الأسرة، وخراب الأوطان، وتشريد الأطفال!!، انظر: مقالات الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم(2/ 6).
(61) نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (7/ 2818).
 
 

Ei kommentteja:

Lähetä kommentti