باحثان يرصدان رسائل وأبعاد الزيارة الملكية إلى الأقاليم الجنوبية
الجمعة 06 نونبر 2015 - 11:15
تستعد الأقاليم الجنوبية لاستقبال زيارة تاريخية للملك محمد السادس، تتزامن مع الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء. زيارة ليست الأولى من نوعها، لكنها تأتي في سياق سياسي وتنموي واقتصادي مهم، محدد بتحديات كبرى، تتمثل في تنزيل مقترح الحكم الذاتي من خلال الجهوية المتقدمة.
كما تأتي الزيارة بعد انتخابات جماعية وجهوية عرفت نسبة التصويت الأكبر في جنوب البلاد؛ مما يدل على مؤشر قوي لمدى انخراط سكان الصحراء في المسلسل الديمقراطي.
هذا السياق يجعل من هذه الزيارة التاريخية حمالة لرسائل ذات دلالات عميقة وموجهة لعدة أطراف، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
رسائل الزيارة الملكية
يرى المحلل السياسي عبد الرحيم المنار اسليمي، في اتصال مع هسبريس، أن الزيارة الملكية تتضمن ثلاث رسائل: رسالة موجهة للداخل، وثانية موجهة إلى الجزائر وربيبتها البوليساريو؛ وأما الرسالة الثالثة فموجهة إلى المنتظم الدولي. فما هي محددات ومضامين هذه الرسائل الثلاث؟
فأما الرسالة الأولى، والموجهة للداخل، فهي تأتي لـ"تكريس الشرعية الدينية والتاريخية وشرعية الإنجاز والتنمية"، حسب رأي اسليمي، والتي تأسست بناء على "العلاقة بين السلطان وسكان الصحراء، والتي ظلت قائمة على البيعة كأحد الثوابت الدستورية العرفية، وعلى رابطة روحية دينية مبنية على إمارة المؤمنين".
وأضاف أستاذ العلوم السياسية أن زيارة الملك "تعبر عن استمرار الشعور الوجداني النفسي المبني على الولاء، والذي يربط بين الإقليم، كمجال جغرافي وسيكولوجي، والسكان والملك. فإذا كان حدث المسيرة الخضراء يعبر عن دعوة ملكية لمغاربة الشمال إلى الوصول والتواصل مع مغاربة الصحراء، الشيء الذي خلق مجالا جغرافيا ووجدانيا ونفسيا مبنيا على روابط الولاء للملكية في المغرب، فإن هذه الزيارة التاريخية تشكل امتدادا للمنطق نفسه؛ لكونها سترتكز على مجموعة من الطقوس والتقاليد ستكون حاضرة في احتفالات الذكرى الأربعين".
كما تعبر هذه الزيارة، حسب اسليمي، عن التزام ذي "طبيعة ديمقراطية من طرف الملك، بصفته رئيس الدولة العصري والمشرف على السياسات العامة للدولة، بعدما طلب من المجلس الاقتصادي والاجتماعي إعداد مخطط تنموي للنهوض بالأقاليم الجنوبية، تلاه مشروع الجهوية المتقدمة، وإجراء الانتخابات الجماعية والجهوية".
أما بخصوص الرسالة الثانية، وهي الرسالة الموجهة إلى الجزائر والبوليساريو المتحكمة في المخيمات، فهي تؤكد أن "تقرير المصير التنموي يقع تحت السيادة المغربية، أمام التحريض الدائم للجزائر في إفريقيا وخارجها ضد المغرب، والذي لا خيار له إلا مواجهته عبر الشرعية التاريخية المقرونة بشرعية الإنجاز".
وأمام محاولات البوليساريو التشكيك في تنمية الصحراء وربطها بالتجاوزات الحقوقية، فإن الملك "يراهن على مواجهتها بتنزيل مشاريع تنموية، بنخب ذات شرعية انتخابية، تملك وحدها حق تمثيلية ساكنة الأقاليم الجنوبية، كما يوجه رسالة لسكان المخيمات، مفادها أن أربعين سنة من الضياع في المخيمات تحت حصار الجزائر وقيادة عبد العزيز وجماعته تقابلها أربعين سنة من البناء بمشاركة السكان الوحدويين".
وذهب أستاذ العلوم السياسية في تحليله إلى أن الرسالة الموجهة إلى المنتظم الدولي تتضمن تطبيق القرار 2218، الذي يشير إلى جهود المغرب التنموية في الصحراء، ويدعو إلى تبني حل تنموي واقعي يلامس وضعية الساكنة.
ويخلص اسليمي، في اتصال مع هسبريس، إلى أن "المشاريع التنموية العملاقة التي سيتم تنزيلها في العيون ستكون أول خطوات تنفيذ الحكم الذاتي، خصوصا أنها ستكون بمنظور تنموي جديد يتسم بالرفع من منسوب الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، من أجل الدفع والرفع من قوة التنمية المحلية، بنفس التقائي مع المجهودات المبذولة جهويا ووطنيا".
أبعاد إستراتيجية
أما الشرقاوي الروداني، المختص في الدراسات الجيو-إستراتيجية، والأستاذ الزائر في عدد من الجامعات الأوربية، فيعتبر أن الزيارة تأتي في سياق "سياسي تنموي واقتصادي محدد بتحديات وطنية، من خلال تنزيل مقترح الحكم الذاتي، مضيفا أنها جاءت في مرحلة عرف فيها المغرب محطة الانتخابات المحلية، وخاصة الجهوية".
وأكد الباحث أن التوجه الإستراتيجي للمغرب في المعادلات الإستراتجية الدولية في التعاون شمال جنوب، والاختيار الوطني، من منظور جيو-استراتيجي وجيو-اقتصادي، يساهم في "الدفع بعلاقات جنوب جنوب نحو تمثلها لكل جوانب التنمية البشرية المستدامة"، مضيفا أن التوجه الإستراتيجي للمغرب "سيمكن من أن تكون المناطق الجنوبية قطب الرحى في سياسة هذا التعاون مع دول الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء".
وفي هذا السياق، ذهب المحلل الإستراتيجي إلى أن الزيارة ستكون مناسبة لتنزيل "المشروع التنموي للمناطق الجنوبية الذي دعا إليه الملك محمد السادس في السنة الماضية". هذا المشروع، حسب الشرقاوي الروداني، سيجعل المنطقة "حلقة الوصل، ليس فقط للمساهمة في تنمية العنصر البشري المحلي، ولكن الإنسان الإفريقي، وهذا يدخل في إستراتجية ملكية تطرق إلى محتواها خطاب الملك في ساحل العاج، والخطاب الأخير في نيودلهي بالقمة الإفريقية الهندية".
كما ذهب المحلل إلى أن الزيارة الملكية للمناطق الجنوبية "ستؤسس لمنطقة جديدة تنمويا واقتصاديا، لتكون على شاكلة المنطقة الشمالية، منطقة التأثير الاقتصادي والإستراتيجي، لكن هده المرة في إطار تشكيل حزام اقتصادي ستكون له انعكاسات جد إيجابية على محاربة الفقر والهشاشة في دول إفريقية عديدة".
Ei kommentteja:
Lähetä kommentti