15 سنة من الإصلاح الديني في عهد الملك محمد السادس
الثلاثاء 29 يوليوز 2014 - 16:00
منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش في 30يوليوز1999 وهو يولي عنايته
الفائقة ورعايته الكبيرة لمشروع تأهيل الحقل الديني بالمغرب: فلسفة وتنظيما
وبناء قانونيا و إداريا.. واليوم نحن أمام 15 سنة من العطاء المتواصل
والبناء المحكم في هذا المجال الصعب المتشعب المتدخل والمتشابك .. ولتقويم حصيلة 15 سنة من عمر تأهيل الحقل الديني بالمغرب في عهد الملك محمد السادس يحتاج الباحث إلى وقت ليس بالهين من أجل التمكن من رصد جميع المتدخلين والفاعليين في هذا المجال .. كما يتطلب الموضوع أيضا من الباحث جهدا كبيرا ونفسا طويلا ، نظرا لتعدد الفاعلين داخل هذا الحقل المعقد من جهة كمؤسسة العلماء ، و تعدد الحركات الإسلامية بالمغرب ، و تنوع الزوايا ، وكثرة فصائل السلفية الوهابية أو الجهادية ، والانتشار الخطير لمنابر الفتاوى الشاذة...
أما من جهة ثانية: فنجد تعدد وتنوع مجالات تأهيل الحقل الديني بالمملكة خلال هذه 15 سنة التي مرت تحت الرعاية الملكية حيث نجد أول الفاعلين بعد جلالته الوزارة الوصية كمسؤولة من لدن جلالته على تنزيل الرؤية الملكية للحقل الديني بالمغرب قانونيا وإداريا، والمجالس العلمية المكلفة بضبط الخطاب الديني وتوحيده وفق الثوابت الديني للمملكة عقيدة وفقها وسلوكا وكذا الرابطة المحمدية للعلماء ومعهد دارا لحديث الحسنية ومركز تكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات ، بالإضافة إلى مؤسسة محمد السادس لطبع المصحف الشريف ومؤسسة محمد السادس للنهوض بالإعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين، ناهيك عن مديرية التعليم العتيق ومديرية المساجد ودورهما الكبير في إشعاع ثقافة التسامح والحوار الحضاري، كما لا يمكن أن نبعد معهد محمد السادس للقرآن الكريم وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم وقناة محمد السادس للقرآن الكريم والدور الكبير الذي يؤذى من طرفهم في سبيل إشعاع ثقافة السلم والتعايش بين الثقافات والحضارات والأديان داخل المملكة.
كما أن تقويم حصيلة 15 سنة من الإصلاح والهيكلة تتطلب من الباحث الانتباه إلى الانفتاح الكبير لهذا المشروع على المرأة العالمة وكيف تم إشراكها بنجاح في هذا الحقل .. وتقويم تجربة ميثاق العلماء أمر مهم يجب على الباحث رصده بالتحليل والطرح وهم يقوم 15 سنة من عمر تأهيل الحقل الديني بالمغرب بالإضافة إلى مخطط تأهيل المساجد الذي أعطى دفعة جديدة في تقوية العلاقة بين العالم والقيم الديني ورواد المساجد ، ولا ننسى أخر قانون منظم لمهمة القيم الديني حيث حدد هذا القانون مهمة القيم الديني و منعه من أي انتماء سياسي أو نقابي من أجل الحفاظ على وحدة الدين وعدم الخلط بين العمل الديني والعمل السياسي/ النقابي .. مع الإبقاء على الحقوق الثقافية والاجتماعية للقيم الديني كما هو متعارف عليها دوليا.
هذا تقويم إجمالي لـ15 سنة من تأهيل الحقل الديني داخليا، أما خارجيا فقد خلق هذا الإصلاح تأثيرات دبلوماسية قوية وتداعيات كبيرة داخل دول الجوار و في دول الساحل جنوب الصحراء تجسد هذا في طلب العديد من تلك دول من المملكة العمل على تكوين أئمتهم وفق الثوابت الديني للمملكة المغربية نخص بالذكر دول مالي تونس غينيا وليبيا، ومن أكبر المنجزات ومن محاسن هذا الإصلاح المولولي الرشيد للحقل الديني بالمغرب نجد إسهاماته الكبيرة في تجاوز تداعيات الربيع العربي نظرا لدور هذا الإصلاح في الحفاظ على الوحدة المذهبية والعقدية للمملكة وفق عقد بيعة مكتوب بين المغاربة وأميرهم انعكس إيجابا على الوحدة السياسية والعسكرية للممكلة.
فلسفة الإصلاح الديني بالمملكة
وقبل البدء في التحليل والتفصيل لهذه المنجزات الكبرى التي أحدثها جلالة الملك محمد السادس باعتباره أمير المؤمنين والفاعل الرسمي في تأهيل الحق الديني لابد من الوقوف بعمق على الفلسفة التي ينطلق منها هذا الفاعل في تأهيل الحقل الديني من جهة وإصلاح الخطاب الديني من جهة ثانية .
إن الرؤية الملكية لتأهيل الحقل الديني تنطلق من اعتبار: "الدين حداثة عريقة والحداثة مقدس معاصر" فحين نقول "الدين حداثة عريقة" فنريد بذلك القول بأن الدين هو من حرر الناس من عبادة الظواهر الطبيعية ومن السحر و الشعوذة ومن عبادة الأصنام ، وأخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ..
وعندما نقول "الحداثة مقدس معاصر" فنعني الحداثة هي من تحرر الإنسان من تبني أفكار التطرف والغلو التي تمس جوهر الدين ، وبالحداثة – التي تجعل من العقل أساسها- يتحرر الإنسان من الأفكار الهدامة والمتطرفة أيضا ..والعقل مناط التكليف شرعا .. والدين بلا عقل جسد بلا روح لأن الله يعبد بعلم لا بجهل .. فقد انسجمت هذه الفلسفة الملكية مع العقيدة الأشعرية التي لا تكفر أحد بذنب ولا تشهد لأحد بجنة إلا من شهد لهم رسول الله من العشر المبشرين ، كما تفاعلت هذه الرؤية الملكية مع قواعد وأحكام المذهب المالكي التي تجعل من الوسطية والاعتدال طريقا ومنهجا لها ، واتحدت هذه الفلسفة الملكية أيضا مع التربية الروحية للتصوف السني .. من هنا استلهم أمير المؤمنين رؤيته الثاقبة لمشروع الإصلاح الديني عقيدة ومذهبا وسلوكا فجعل له أركانا وأسسا ثلاثة تعيد هيكلته من جديد .
أركان وأسس الإصلاح الديني بالمغرب
حدده الملك في ثلاثة أركان هي:
- الركن الأول: المندوبيات الجهوية والإقليمية للشؤون الإسلامية ويقول الملك في خطاب 30أبريل 2003 (وقد أمرنا بتعيين مندوبين جهويين للوزارة، ليسهروا على التدبير الميداني للشؤون الإسلامية) وقد ساهمت هذه المنذوبيات كما أمر جلالته بشكل كبير في الحفاظ على المساجد وأماكن العبادة والأضرحة والزوايا .. كما لعبت دور كبير في إبعاد ومنع أغلب المخالفين للخطاب الديني الرسمي ونخص بالذكر عدد كبير من الأئمة والخطباء والوعاظ المنتسبين لجماعة العدل والإحسان أو السلفية المتطرفة أو السلفية الجهادية التي تتغذى بها ومنها التنظيمات الإرهابية الدولية كتنظيم القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات الشاذة المتطرفة والإرهابية التي تعتبر الإسلام دين جهاد وعنف ودم لا دين محبة و تعايش وأمن وسلام .. كما ساهمت هذه المندوبيات أيضا بشكل قوي وفعال في إنجاح برنامج محو الأمية بالمساجد و تنظيم وتأهيل مؤسسات التعليم العتيق ودور القرآن وفق مناهج تربوية حديثة .
- الركن الثاني : خصه الملك لجانب الوقف حيث قال في نفس الخطاب بخصوص هذا الركن(...مؤكدين على إحياء مؤسسة الأوقاف، وعقلنة تسييرها ،لتظل وفية لمقاصدها الشرعية والتضامنية الاجتماعية، ومتنامية بإسهام المحسنين فيها) وهذا ما تضطلع به اليوم مؤسسة حماية مالية الأوقاف ومراقبة الاستثمار التي أحدثت بمقتضى ظهير ملكي سنة 2010 أوكل لها الحماية والمراقبة والاستثمار في مالية الأوقاف ، وهذا مجال أخر لم نرصده بعمق.
- الركن الثالث: وارتبط بإعادة إحياء وبعث مؤسسة العلماء من جديد بتفيعل الظهير الذي أصدره الملك العالم المجاهد المغفور له الحسن الثاني سنة 1981 والمرتبط بإحداث وتنظيم المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية يقول الملك محمد السادس مقفيا عليه بخصوص تعيين هذه المجالس في نفس الخطاب المذكور سابقا (لقد وضعنا طابعنا الشريف، على ظهائر تعيين أعضاء المجالس العلمية ، في تركيبتها الجديدة ، مكلفين وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية بتنصيبها، لتقوم من خلال انتشارها عبر التراب الوطني ، بتدبير الشأن الديني عن قرب، حاثين إياهم على الإصغاء إلى المواطنين ، ولاسيما الشباب منهم ، بما يحمي عقيدتهم وعقولهم من الضالين المضلين ،حريصين على إشراك المرأة المتفقهة في هذه المجالس ،إنصافا لها ، ومساواة مع شقيقها الرجل).
وأدت هذه المجالس دور متميز في تكوين الأئمة والخطباء والوعاظ والمؤذنين وفق العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف السني و تمكينهم من فهم معاني وأسرار البيعة الشرعية لأمير المؤمنين ودورها في حراسة الدنيا والدين . كما تسهر هذه المجالس على إنجاز وتتبع برنامج ميثاق العلماء منذ 2009 هو عقد يربط بين العلماء والإمامة العظمى التي تحفظ لهذه الأمة بيضتها ووحدتها العقدية والمذهبية ، ويسهر عليه ثلة من العلماء يكونون 50ألف قيم ديني أمور دينهم في العقيدة الأشعرية مفهوما ونشأة وتطورا وأصولا ، وفقه مالكي مفهوما ونشأة وتطورا وقواعد وأحكاما، وتصوف سني مطابق للكتاب والسنة وأقوال أهل العلم سلوكا وقولا وعملا .. وساهم هذا الميثاق في توحيد الخطاب الديني بالمغرب وتأهيل القيميين الدينين علميا ومنهجيا ليصبح محصننا و قادرا على مواجهة أفكار التطرف والتشويش الدخيلة على ثوابت ديننا الإسلامي السمح ..
كما تشرف المجالس العلمية على مخطط تأهيل المساجد بتنسيق مع 1300 إمام مرشد أوكلت لهم مهمة السهر على التنزيل الفعلى لهذا المخطط الرامي إلى تنزيل الرؤية الملكية للشأن الديني داخل المسجد ليكون قبلة للمواطنين الراغبين في معرفة الضروري من أمور دينهم ويكون أيضا مؤسسة للتربية الدينية ومحو الأمية ورافعة أساسية للتوعية والتنمية المستدامة في أوساط الشبـــاب والنساء والنشء و تحصينهم من كل الأفكار الهدامة والدخيلة على هويتنا المغاربية.
كما أن هذا المخطط سيحقق مبدأ العمل التشاركي القريب من المواطن وسيقرب العالم من المواطن بشكل سهل و دائم .. بل سيجعل مسألة ضبط الخطاب الديني داخل المساجد ممكنة وسهلة ومطابقة للثوابت الدينية للمملكة : عقيدة وفقها وسلوكا.وبالتالي فهو تحقيق ودعم لمشروع ميثاق العلماء الذي يعتبر الية من اليات تأهيل الحقل الديني بالمغرب، فما هي باقي آليات تأهيل الحقل الديني بالمغرب.
آليات تأهيل الحقل الديني بالمغرب
هي كثيرة متعددة وكبيرة متنوعة، وكل آلية تحتاج إلى بحث مفصل، لكن سأتناول كل آلية حسب ما يسمح به المقال.
1- الوزارة وهي التي تسهر على الجانب الإداري والتنظيمي للحقل الديني .. هي المكلف المباشر والأول بتنزيل الروية الملكية لتأهيل وإصلاح الحقل الديني طرف جلالة الملك أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله.
2- المجالس العلمية: أوكل لها جلالته – باعتباره الرئيس المباشر لها- الانخراط في صلب المشروع الحداثي الديمقراطي للمملكة .. وطلب من العلماء الانفتاح على كل القضايا العلمية والعقدية والفقهية والثقافية لتحصين الأمة من كل ضال شاذ في الدين بغير حق.
3- الهئية العلمية المكلفة بالإفتاء: لم تعد الفوضى تعم الفتاوى بالمغرب الحبيب ، بل أصبحت الفتوى مقننة ومن اختصاص هئية علمية مكونة من 15 عالم لها من الكفاية العلمية والفقهية ما يؤهلها لاهتمام بشؤون وقضايا الأمة المغربية ومراعاة مصالحها وأحوالها في كل الفتاوى التي تصدر عنها أو منها.ذ
4- الرابطة المحمدية للعلماء: تضطلع بالبحث في العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف السني .. وتعمل على إحياء تراثنا العلمي والثقافي والصوفي.
5- دارا لحديث الحسنية: تم تأهيلها لتصبح معهدا يشمل البرامج الحديثة في المقررات الدراسية كإدخال اللغات الحية والعلوم الاجتماعية ضمن برامجه الدراسية مما سيؤهل هذا المعهد إلى تخريج علماء قادرين على مسايرة المشروع الحداثي للمملكة.
6- مركز تكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات: فهذا المركز استطاع أن يخرج أزيد من 2500 إمام مرشد ومرشدة .. منتشرين على امتداد ربوع المملكة الشريفة ، تحت إشراف المجالس العلمية.. وهم حاضرون بقوة في تأطير المواطنيين، وتوعيتهم بأمور دينهم ودنياهم .. كمحو الأمية الدينية والتعليمية.. وتعلم القرآن الكريم وعلومه والحديث وعلومه.. والفقه المالكي وقواعده وأحكامه.. بالإضافة إلى العمل الاجتماعي والخيري ..
7- مؤسسة محمد السادس لطبع المصحف الشريف: وتعنى هذه المؤسسة بالطبع والإخراج الجديد واللائق للمصحف المحمدي وكذا الكتب والمتون التي أنتجها كبار علماء المملكة الشريفة في العقيدة والفقه والتصوف ..
8- مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين: تهتم هذه المؤسسة بالأوضاع الاجتماعية للقيمين الدينيين وتقدم لهم التغطية الصحية الشاملة والتعويض عن العجز والمنح الدراسية و منح الزواج وعيد الأضحى لازالت هذه المؤسسة تسير في نمو مطرد لتحسين الوضع الاجتماعي للقييم الديني بالمملكة الشريفة.
9- التعليم العتيق: عرفت مؤسسة التعليم العتيق بالمغرب تحديثا في العمق من خلال تأسيس دور ومدارس التعليم العتيق وتقنينها على شاكلة المؤسسات التعليمية التابعة لوزارة التربية الوطنية.. حيث تم إدراج مجموعة من المواد العلمية والاجتماعية إلى جانب المواد الشرعية .. وأصبح طالب التعليم العتيق مند 2004 ينهل من العلوم الشرعية والعلوم الحديثة ايضا .. مما مكن المملكة الشريفة من سد الطريق على التيارات المتطرفة التي كانت تتغدى من خريجي التعليم العتيق وتشجعهم على التطرف والغلو والإرهاب فبفضل هذا التحديث تمكنت الدولة من تجفيف منابع ومصادر الإرهاب والحمد لله.
10- المساجد: اصبح المسجد قبلة للتعلم والقراءة والكتابة للنساء والرجال .. والنساء أكثر حضورا في دروس محو الأمية و دروس الوعظ والإرشاد كما أصبح المسجد مدرسة لتعلم القرآن حفظا ورسما وتجويدا..
11- معهد محمد السادس للقرآن الكريم يضطلع بتكوين وتأهيل وتخريج طلبة باحثين في القران وعلومه.
ولا يمكن أن ننسى آليتين إعلاميتين ساهما بشكل قوي وفعال في تأهيل الحقل الديني وهما إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم و قناة محمد السادس للقرآن الكريم .. ويعلم الجميع مدى النجاح الكبير الذي تحققه الإذاعة والقناة سنة بعد سنة من خلال الإقبال المتزايد عليهما من طرف المواطنين مشاهدة وسماعا.. حيث فتح الباب فيهما للمرأة العالمة أيضا.
انخراط المرأة العالمة
لقد انخرطت المرأة العالمة المغربية بشكل فعال وكبير في مشروع تأهيل وإصلاح الحقل الديني بالمغرب وأتثبت قدرتها واستحقاقها للأمانة التي أناطها بها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس.. في خطابه يوم 30 أبريل 2004 الذي أوصى فيه بضرورة إشراك المرأة العالمة في تأهيل المجتمع دينيا وتربويا ودعويا.. وهي اليوم حاضرة بقوة داخل المسجد وداخل المجالس العلمية وفي دور العجزة والمستشفيات والمؤسسات التربوية والتعليمية.. وفي جل المنابر الإعلامية... و تستحق اليوم المرأة العالمة المزيد من التمكين في المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي الذي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. لإعطاء رسائل للمنتظم الدولي بان المملكة سائرة في طريق الإنصاف مع التمكين الحق للمرأة المغربية العالمة.
من ثأتيرات الإصلاح الديني بالمغرب على دول الجوار
إن مشروع تأهيل وإصلاح الحقل الديني بالمغرب شكل لبعض دول المغرب العربي تحديا كبيرا ، فأخذت بعضها تبحث عن وسائل وتجارب أكثر تنافسية من التجربة المغربية، كما شكلت لدى بعض الدول الأخرى تجربة فريدة ومتميزة وجب الاقتداء بها ، لمواجهة الأفكار الهدامة والمتطرفة والمخالفة للهوية الوطنية.
فالجزائر خصم المغرب الأول في المنطقة المتوسطية سعت جاهدة لمواجهة التأهيل الديني الذي يعرفه المغرب.. لكنها لم تنجح في مسايرة التميز المغربي لأنها لم تعتمد نفس الهيكلة التي اعتمدها المغرب في تأسيس دور العالم وتقنين مسطرة الإفتاء.بل لازال دور العالم غير مؤسس والفتوى ليس لها منبر رسمي يعبر عن موقف الدولة من القضايا الكبرى على غرار الهئية العلمية المكلفة بالإفتاء بالمغرب.
أما موريتانيا فهي لا تنفك عن المغرب في جميع سياساتها العمومية ، ونفس الشيء في السياسة الدينية فهي تسيير على منوال التجربة المغربية ، ويبرز ذلك من خلال تأسيسها لدور العلماء في الهيئة العلمية الموريتانية .. ونفس الشيء بالنسبة للإفتاء فله منبر رسمي يفتى باسم الدولة الموريتانية.كما استطاع اقتباس التجربة المغربية في تأهيل مجال محو الأمية والتعليم العتيق.
وبالنسبة السياسة الدينية في دولة ليبيا فلم يكن لها مشروع ديني في عهد العقيد معمر القذافي لكن بعد ثورة 17فبراير 2011 بدأت ليبيا في الهيكلة التدريجية للحقل الديني ، وقد طلبت من المغرب تكوين أئمة ليبين وفق ثوابت الديني الإسلامي المعتدل الذي دان به أهل المغرب منذ ثلاثة عشر قرنا.
وبخصوص تونس فهي تحاول جاهدة استنساخ ونقل السياسة الدينية المغربية حيث نجد أن سياستها الدينية لا تختلف وأهداف المؤسسة العلمية المغربية ، مع تسجيل واضح لغياب للمؤسسة العلمية بتونس و رغبة تونسية في الاستفادة التجربة المغربية لتأهيل حقلها الديني، تمثلت في تقديم طلبها للمغرب من أجل تكوين أئمتها وفق الثوابت الدينية المغربية .. ساهم هذا الإقبال من طرف دول المغرب العربي على فتح شهية دول الجوار مع تنامي الفكر المتطرف الجهادي بها على تقديم طلباتها للمغرب من أجل الاستفادة من تجربته في تأهيل وإصلاح الحقل الديني.
انفتاح إمارة المؤمنين على دول الساحل جنوب جنوب الصحراء
إن الباحث في العلاقات الدولية والشؤون المغاربية بالخصوص يلاحظ نموا مطردا للدبلوماسية الدينية بالمغرب منذ 2009 إلى اليوم ،عبر مجموعة من القرارات .. ففي شتنبر 2009 أحدث أمير المؤمنين الملك محمد السادس المجلس العلمي الأوربي وأوكل له صلاحيات الحفاظ على هوية الجالية المغربية وتعليمها الضروري من أمر دينها ، وكان هذا بمثابة قرار كبير ومهم في مجال الدبلوماسية الدينية المغربية بأوربا. فلأول مرة سيصبح داخل الاتحاد الأوربي مؤسسة رسمية تمثل العلماء و تمثل الدبلوماسية الدينية المغربية بأوربا.وكأننا أمام سفارة لإمارة المؤمنين بأوربا. و هذا معطى جديد وجب البحث فيه والاهتمام به بشكل كبير من طرف الباحثين في العلاقات الدولية وفي الدبلوماسية الدينية بالخصوص.
وشكل أيضا قرار إحياء الروابط الروحية بين الزواية الدينية في الساحل الإفريقي وإمارة المؤمنين استمرارا لدينامية الدبلوماسية الدينية ، التي توجت بحفل توقيع اتفاقية للتعاون في المجال الديني مع دولة مالي تنص على تأطير 500 إمام في عشر سنوات كمدة زمنية محددة، تخصص فيها سنتان من التكوين لكل فوج ، ويتشكل كل فوج من 100 إمام مالي.
كما أن المغرب يتقاسم مع موريتانيا ومالي و ساحل العاج وغينيا والسينغال والنيجر وأغلب دول الساحل الإفريقي نفس الرصيد الثقافي الروحي منذ اثني عشر قرن تقريبا ، خاصة الإسلام الأشعري عقيدة والمالكي مذهبا والسني سلوكا. بالإضافة إلى الارتباط الوثيق بعقد البيعة الشرعية بين المؤمنين في هذه الدول وإمارة المؤمنين بالمغرب ، تحقيقا لأمر الله عز وجل الذي أمر بالاعتصام بحبل البيعة الشرعية ، وتحقيقا لقوله صلى الله عليه وسلم :"من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية ". إن أهل الغرب الإسلامي عامة والمغاربة ودول الساحل بالخصوص مؤمنون متيقنون بقوله صلى الله عليه وسلم : "لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق ". من هنا يتضح للباحث في الدبلوماسية عامة أن إمارة المؤمنين تعيد إحياء دورها عبر تفعيل الدبلوماسية الدينية الموازية للدبلوماسية العسكرية والاقتصادية بدول الساحل.كما أن الدور الكبير الذي تلعبه الدبلوماسية الدينية في الساحل شكل محور اهتمام كبير في اللقاء الأخير الذي جمع أمير المؤمنين محمد السادس بالرئيس الأمريكي بارك أوباما ، حيث نص البيان المشترك أكثر من مرة على ضرورة تفعيل المغرب لدبلوماسيته الدينية، والعمل على تقوية حضوره الروحي بدول الساحل للحد من خطر التطرف.
إن مشروع تأهيل وإصلاح الحقل الديني على امتداد 15 سنة في عهد الملك محمد السادس يعد تجربة فريدة من نوعها عرفتها المملكة في مجال التأهيل والتأطير الديني .. وناجحة بكل المقاييس .. ناجحة على مستوى القرب من المواطن .. وعلى مستوى إشراك الفاعلين الدينيين في مشروع الإصلاح الديني .. ناجحة على مستوى الامتداد في جل ربوع المملكة .. وعلى مستوى الاستمرار والنمو المطرد في تقنين هذا الحقل .. ناجحة على مستوى التغلغل داخل الأحياء والأسر و النساء والأطفال والرجال.. وناجحة أيضا على مستوى التمكين و التحصين للهوية المغربية من كل الشوائب الدخيلة عليها.. وناجحة أيضا على مستوى الاقتداء والتأثير في دول الجوار بطلب منهم لا برغبة من المملكة في الانتشار والتوسع .. لأن دول الجوار والساحل تجمعهم نفس الروابط الروحية والعقدية والفقهية كما سبق الذكر.. وناجحة رغم المحاولات المحتشمة للجارة الجزائر في التحدي والمنافسة لهذا المشروع دون محاولة للإقتداء والتجربة من المشروع كما تفعل باقي البلدان الشقيقة.
*باحث في الشأن الديني
Ei kommentteja:
Lähetä kommentti