هذه توجهات الدبلوماسية المغربية في عهد الملك محمد السادس
الخميس 31 يوليوز 2014 - 15:00
يلاحظ متابعون أن المجال الدبلوماسي المغربي في عهد الملك محمد السادس
اتخذت شكل مبادرات، وأحيانا أخرى شكل توجهات استراتيجية جديدة على الأداء
الدبلوماسي الوطني، وتميزت أحيانا بالتخلي عن الخطاب المهادن بخصوص قضايا
المغرب المحورية.عبد الفتاح البلعمشي، مدير المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، ذهب إلى أن القاسم المشترك بين أغلب المبادرات والإجراءات على مستوى التدبير الملكي للدبلوماسية المغربية، هو "الانتقال بتدرج من "الشخصنة إلى المأسسة".
ويتجلى هذا المعطى في الفعل الدبلوماسي للمغرب من خلال التعاطي مع الملفات الأساسية لعلاقاته الدولية، والتي حدد الملك أهم ملامحها منذ البدء في رسالته بمناسبة اليوم الوطني للدبلوماسية في أبريل 2000، إلى أن تم التحديد الواضح لمعالم التوجه الدبلوماسي للمغرب من خلال دستور 2011.
ملف الصحراء
وبخصوص ملف الصحراء سجل البلعمشي أن الملف على عهد الملك محمد السادس تميز بتقديم "المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا"، والتي سمحت بتمكين الأمم المتحدة من أرضية للحوار والنقاش حول الحل السياسي.
واعتبر البلعمشي، في اتصال مع هسبريس، أن هذا المقترح بات يحظى بأهمية لدى الشركاء الدوليين الوازنين المعنيين بإيجاد تسوية لهذا النزاع، وتم فرضه كورقة تفاوضية لم يستطع المنتظم الدولي تجاوزها منذ تقديمه للأمين العام بنيويورك في 11 فبراير 2007م، رغم كل المناورات التي عرفها تدبير هذا النزاع على المستوى الدولي.
ومن جانب آخر، شكل البحث عن مداخل جديدة لتدبير ملف الصحراء داخليا رهانا ملكيا استمر إلى حين تحقيق بعض أهدافه من خلال:
ـ التقرير الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في أبريل 2013، حول بلورة "نموذج تنموي" في الصحراء.
ـ تفعيل مواد الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان المتعلقة بإحداث لجن جهوية منها: اللجنة جهوية لحقوق الإنسان بالعيون- اسمارة، واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالداخلة ـ أوسرد.
الدبلوماسية الاقتصادية
أما على الجانب الاقتصادي، أشار البلعمشي إلى ما وصفها بـ"الرغبة الملكية في تنويع الشراكات الاقتصادية للمغرب"، أبرزها الاستمرار في التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي وذلك بمنهج جديد سعى لتطوير هذه الشراكة إلى أن بلغت مستوى منح المغرب درجة "الوضع المتقدم".
ويبرز التوجه الملكي في الدبلوماسية الاقتصادية، حسب مدير المركز، أيضا من خلال تطوير وتنويع الشراكات الاقتصادية للمغرب بتوقيع عدد من الاتفاقيات للتبادل الحر مع دول الشرق والغرب، أهمها اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية وتطويرها عقب جهد دبلوماسي وفر الانتقال إلى الحديث اليوم عن "الشراكة الاستراتيجية".
وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية التقليدية للمغرب مع هذه الدول، ذهب البلعمشي إلى أنه تم "التركيز على ضمان علاقات اقتصادية متينة مع دول مجلس التعاون الخليجي، كشريك أساسي تجسده العديد من الاتفاقات بين الطرفين، كما شكل "اتفاق أكادير" 2004م رغبة المغرب في تعزيز علاقات اقتصادية غير "كلاسيكية" مع دول عربية أخرى، والسعي نحو إحداث اندماج إقليمي وإنشاء سوق مشتركة عبر منطقة للتبادل الحر بين المغرب وتونس ومصر والأردن".
وأفاد المتحدث أن الفعل الدبلوماسي للملك في المجال الاقتصادي "تميز بالدفع نحو إقحام الرأسمال الوطني والشركات والمؤسسات التمثيلية لرجال الأعمال في التوجه العام للدبلوماسية المغربية عبر مشاركة وفود من هذه المؤسسات في دعم العلاقات المغربية بعدد من الدول خصوصا الدول الإفريقية".
وشكلت ندوة السفراء "الأولى من نوعها" التي نظمتها وزارة الخارجية والتعاون في غشت 2013م، مناسبة أكد من خلالها الملك عبر رسالة للمشاركين على توجهه في المضي نحو بلورة دبلوماسية اقتصادية فاعلة وضمنها توجيهات شاملة ومحددة للسفراء المشاركين وللمعنيين بالتفاعل الاقتصادي للمغرب على المستوى الدولي.
الدبلوماسية الدينية
من جهة أخرى برزت معالم جديدة في الدبلوماسية المغربية اعتمدت على تأطير ومأسسة البعد الديني في الدبلوماسية المغربية، والتي لعبت فيها مؤسسة إمارة المومنين دورا هاما على مستوى تطوير العلاقات المغربية - الإفريقية والمغاربية، واستثمار هذا البعد في الدول التي تشترك مع المغرب في المرجعية الدينية.
ووفق المحلل، فإن العلاقات الدينية للمغرب أخذت عدة ملامح أبرزها وضع النموذج المغربي وخبرته في تدبير الشأن الديني رهن إشارة الدول الأفريقية، حيث سعت العديد منها خلال سنة 2014، إلى طلب الاستفادة من البرامج القائمة خصوصا في مجال تكوين وتأطير الأئمة والمرشدين، ولا تخفى أهمية البعد الديني والحضاري بين الدول في بلورة علاقات أكثر توازنا وقوة.
دبلوماسية حفظ السلام
وبخصوص مساهمة المغرب في الدور التضامني والإنساني، أشار البلعمشي إلى أن المغرب على عهد الملك محمد السادس، شكل "تجسيدا لهذا التوجه التضامني والإنساني وعدم إقحام الأبعاد السياسية في هذه الأدوار"، مشيرا إلى المساعدات الإنسانية والطبية التي يقدمها المغرب للاجئين والنازحين أو المتضررين من الكوارث الطبيعية".
واستدل الباحث بمثال المساعدات المقدمة "للنازحين من دولة مالي" بموريتانيا إثر احتدام المعارك في مالي 2013، أو تلك المقدمة للشعب السوري، كما ساهم المغرب في دبلوماسية السلام عن طريق المشاركة في قوات حفظ السلام التي تبعث بها الأمم المتحدة إلى عدد من الدول، مثل المشاركة في كوسوفو سنة 1999، و"الكوت ديفوار" سنة 2004، والكونغو سنة 2004.
الدبلوماسية والتنمية
البعد التنموي كان حاضرا أيضا في عدد من المبادرات الملكية كإعلان "خطة للتنمية في افريقيا" والتعامل مع المنظمات الدولية العاملة في مجال التنمية سعيا نحو دعم الدول الأكثر فقرا، واغتنام فرصة القمة الإفريقية – الأوروبية في أبريل من سنة 2000م المنعقدة بالقاهرة، لإعلان المملكة المغربية إلغاء جميع ديون البلدان الإفريقية الأقل نموا ورفع الحواجز الجمركية عن المواد المستوردة من هذه البلدان.
واعتبر البلعمشي أن هذا التوجه لدى المغرب على عهد الملك محمد السادس يلعب دورا هاما، من حيث جلب الخبرة ودعم البرامج التنموية الداخلية بالمشاركة في برامج الأمم المتحدة المختلفة، والمنظمات الدولية الأخرى والوكالات المتخصصة في هذا الشأن.
القضايا العادلة
وما موقف المغرب من القضايا العادلة ومدى وقوف المغرب من خلال الدبلوماسية المغربية إلى جانب القضايا العادلة، في المبادرات التي يتخذها الملك تجاه هذه القضايا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟
يجيب البلعمشي بأن المغرب لا يزال مستمرا في بدل جهوده لصالح القضية الفلسطينية من خلال دعم سكان القدس الشريف عن طريق تفعيل مبادرات لجنة القدس، والدعم الملكي المباشر لبيت مال القدس الشريف بشكل مستمر، كما أنه على إثر أي عدوان على الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال الصهيوني الغاشم، يكون موقف المغرب متوازنا وداعما لصمود الشعب الفلسطيني.
ولاحظ البلعمشي أن تطور موقف المغرب بخصوص القضية الفلسطينية خصوصا بعد العدوان الأخير على قطاع غزة، "كان الموقف المغربي جريئا بالمقارنة مع مواقف دول عربية وإسلامية أخرى نتيجة التجاذبات السياسية الإقليمية التي حاولت تحريف الصراع العربي الإسرائيلي واختزاله في تقديم صورة نمطية تستهدف حركة حماس وتتناسى أصل المشكل المرتبط أساسا بالاحتلال".
وبرز دور الملك، يضيف البلعمشي، في الموقف المغربي إثر العدوان الأخير "بمنح المساعدات وتقديم 5 مليون دولار لدعم أهالي غزة، وعبر عن الاستعداد لتقديم المساعدة الطبية للجرحى، وسعيه الحثيث نحو إيجاد صيغة لوقف هذا العدوان، من خلال الاتصالات والمباحثات التي جمعته بالرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن، والملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني".
بالإضافة إلى ما سبق، أشار المتحدث إلى أن قضايا "الهجرة الدولية" تعتبر "ضمن التوجه الدبلوماسي للملك محمد السادس، ويبرز هذا الاهتمام بإعلانه عن سياسة مغربية جديدة للهجرة تواكب هذه الظاهرة وفق منظور إنساني وتعتمد تدابير وتشريعات تنسجم مع المعايير الدولية في هذا الشأن".
وخلص الباحث إلى ضرورة التمييز في هذا المجال بين البعد الدبلوماسي التي يتعاطى معه الملك بصفته صانع القرار في هذا المجال، وهو يتولى رسم التصورات الكبرى والاستراتيجيات الكفيلة بتشكيل ملامح الدبلوماسية المغربية، وبين مستويات أخرى تتعلق بآليات التنفيذ والتي تتولاها بالدرجة الأولى الحكومة، وفي جزء هام منها وزارة الخارجية والتعاون والبعثات الدبلوماسية المنتشرة في الخارج.
Ei kommentteja:
Lähetä kommentti