روبورطاج. لادينيون مغاربة: هكذا نعيش معتقداتنا داخل الأسرة بصمت..! + آراء لمواطنين
الاثنين 2 ديسمبر 2013 - 07:00
في هذا الاستطلاع، تفتح لكم "كود" النافذة على عوالم أناس مليئين بالأسرار، درجة الغموض. نغوص وإياكم في علائق اللادينيين المغاربة بأسرهم؛ كيف يقضون أوقاتهم، وكيف يعيشون معتقداتهم، ولا يجدون للجهر بها سبيلا... في مجتمع يغض الطرف عن كل أشكال الانحراف، ولا يتسامح مع أن يصير إنسان لا دينيا !
في أحد أيام غشت القائظة من سنة 2009، كان منصف يذرع غرفته جيئة وذهابا، وقد اختمرت في عقله فكرة إخبار أهله بحقيقة إيمانه. "تعبت من لعب دور الضحية، حان الوقت لأعبر عن ذاتي، وأصرح بما أخفيته عن أقرب المقربين مني طيلة سنين..."، هكذا يقول لنفسه بحنق وهو يصفق باب غرفته متجها نحو أمه، غير مدرك كيف ستكون ردة فعلها.
كان منصف يقضي جل وقته في البحث على الإنترنت عن أصل الحياة والغائية
منها. بحث كثيرا، إلى أن وجد "إجابات" في مدونات ومواقع تنتقد الدين
وتعالجه كـ"ظاهرة سوسيو-تاريخية". كان في البداية شديد الرعب من ولوجه
لهكذا مواقع. مع الوقت، أصبح للأمر متعة لا تضاهى بالنسبة له، فقد وجد
"ضالته" أخيرا، أو هكذا يظن.
الطريق إلى المكاشفة
بخطى مترددة، يتوجه منصف نحو والدته الخمسينية، يجلس دون إلقاء التحية.
يشابك كفيه ويظهر عليه توتر يرتجف معه بدنه. "أمي منذ مدة وأنت تحثينني على
الصلاة. أنا إنسان طيب كما تعلمين، لكنني أقلعت منذ مدة عن 'عادة'
الإيمان. أنا الآن حر في تفكيري، أنا لاديني بكل بساطة". قالها وهو لا يعرف
من أين جاءته القوة والجرأة. بعد نقاش وسجال، صمتت الأم لهول الصدمة، ولم
تنبس بعدها ببنت شفة.
في عقده الثاني. عيناه السوداوان تخفيان الكثير من الأسرار. الابتسامة لا تفارق شفتيه؛ هكذا يبدو منصف وهو يجر وراءه سبع سنوات من نكران الدين (منذ 2006 وهو لاديني).
يقول إن الأمر كان سهلا بالنسبة له. فوالده توفي منذ سنوات طويلة. عاش لردح من الزمن مع أمه أستاذة التعليم الابتدائي، وأخته الصغيرة. وبهذا، أسرته الصغيرة لم تكن تشكل له عقبة كبيرة. "بعد مدة قصيرة تأقلمت أسرتي مع وضعي"، يقولها منصف، راسما على محياه ابتسامة خفيفة.
من أحمد... إلى "إيدي" !
"ترعرعت مثل باقي المغاربة في أوساط المجتمع المتدين. تعلمت، أو بالأحرى ورثت عنه الإسلام انطلاقا من الأسرة إلى باقي المؤسسات التربوية الحريصة على تكريس الدين في الأذهان منذ الطفولة"، يقول إيدي بيسر، أحمد سابقا. يبلغ 22 سنة. ولد وترعرع بالمغرب. كان يقطن بمدينة سيدي سليمان، حيث حصل على شهادة الباكالوريا.
أصبح إدوارد لادينيا قبل أربع سنوات. "كنت أحب ديني بقدر حبي للاستكشاف و البحث عن الحقائق مما عجل بتقاطر التساؤلات المنطقية على ذهني و انجلاء سحابة التدين الأعمى من أمامي لأصطدم بصخور التناقضات بين ما تقدمه العلوم من أجوبة مادية عن الوجود وأصل الإنسان أمام التفسيرات الدينية التي طالما بدت لي لامعقولة".
لم
يجاهر إيدي بإلحاده داخل صفوف الدراسة بالمغرب يوما. جعل من الأمر سرا مع
أقرب الأصدقاء فقط. "ببساطة، خوفا من الإيديولوجيا الإقصائية التي يتميز
بها مجتمعنا حيث يتم نبذ كل خارج عن الصف و ينعت بالأصابع كل "غريب"، يضيف
بيسر، قبل أن يسترسل : "حاليا أتابع دراستي ببريطانيا. حيث الحقوق والحريات
الدينية مكفولة بكل أشكالها. لا أخشى انتظار رفاقي المسلمين قرب المسجد؛
لنمشي بعدها جماعة للدراسة، ملحدين، مسلمين، يهود ومسيحيين ...".
يقول إيدي، بخصوص عائلته : "لم أتجرأ يوما لأعلن إلحادي داخل الأسرة.
أكتفي فقط بقول : "شي نهار إن شاء الله" كلما سألني أبي مبتسما، "فوقاش
غادي تبدا تصلي أحمد حتى يموت الشيطان؟". علاقة إدوارد بوالده جد متينة،
أما الدين فهو "علاقة الفرد بالغيب ولا أرى في الأمر أي عصيان أو عقوق"،
يستطرد بيسر.
بعد مغادرته
للتراب المغربي صوب عاصمة الضباب، لندن؛ نجح إدوارد في الانصهار داخل
المجتمع البريطاني. هو الآن طالب في شعبة الآدب الإنجليزي بإحدى جامعات
لندن. وبالموازاة، يشتغل في مجال الفندقة، ضمانا لجنيهات إضافية.
بخصوص سبب تغيير إسمه من أحمد إلى إيدي، وهل يتعلق الأمر بنظرة الآخر الغربي ؟ يجيب بيسر بالنفي: "لم أتعرض يوما لأي شكل من أشكال التمييز في بريطانيا بسبب الاسم. و إنما قمت بتغييره إلى "إيدي" اختيارا فقط".
الجزء الخفي من جبل الثلج
يصعب حصر موضوع اللادينية في المغرب كظاهرة سوسيولوجية، لغياب إحصائيات
مدققة حول عدد اللادينيين بالمملكة. وهم قطعا لا ينتظمون في إطار موحد يمكن
من تحديد حجمهم أو أعدادهم، ولهذا، وكأي أقلية في المغرب، لا يعترف
بوجودهم المعنوي. رأي يؤكده عصام الرجواني الباحث في علم الاجتماع، إذ
يعتبر أن "اللادينية ما تزال من بين الطابوهات التي يصعب الحديث عنها في
المجتمع المغربي، باعتباره مجتمعا الدين فيه من بين المكونات الأساسية
للهوية ومحدد أساسي في بناء الشخصية، بمعنى أن الوجدان الجمعي للأمة
المغربية مرتب عبر القيم الدينية، فالدين يحظى بمكانة رفيعة في المجتمع
باعتباره نسقا من القيم المرجعية والرموز المقدسة التي ترتب المخيال
الاجتماعي للأفراد والجماعات".
كما يعزو ذات الباحث سبب غياب دراسات وإحصائيات دقيقة حول اللادينيين المغاربة إلى "عدم قدرة الناس على الكشف عن قناعاتهم، وغياب رغبة الدولة في تتبع المؤسسات البحثية للموضوع و القيام بإحصاءات من هذا النوع سواء من خلال رصد الحالة الدينية للمغاربة أو رصد اتجاهات الرأي المهيمنة في مجتمع الشباب".
ويشير الرجواني،
إلى ضرورة تقسيم اللادينيين إلى : "اللاديني المعرفي وهو صنف من
اللادينيين الذين توصلوا لقناعات فيما يخص النظر للكون وموقفهم من الوجود
والإله وكل القضايا الغيبية. والصنف الأخر الذي ليست له القدرة على التعبير
عن إلحاده معرفيا وتغيب عنده القدرة على التجريد وصياغة إلحاده وفق مقولات
منطقية منظمة، فإلحاده نابع عن الجهل أكثر منه إلحادا معرفيا مبنيا على
مقولات علمية محكمة. ثم صنف ثالث هو اللاديني المتمرد على شروطه
السوسيواقتصادية، حيث يعتبر موقف هذا الأخير هو وسيلة احتجاجية ضد كل أشكال
الظلم والتهميش والإقصاء".
لا ينص القانون الجنائي المغربي صراحة على اعتبار الإلحاد جريمة. مع ذلك
يعاقب اللاديني في أغلب الحالات بتهمة زعزعة عقيدة مسلم. أي طبقا للفصل
220 من نفس القانون. والذي ينص على معاقبة "من استعمل العنف أو التهديد
لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة ما أو على حضورها، أو لمنعهم من ذلك،
بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائة إلى خمسمائة درهم".
و"يعاقب بنفس العقوبة من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو
تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو
استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أوالمياتم، ويجوز في حالة
الحكم بالمؤاخذة أن يحكم بإغلاق المؤسسة التي استعملت لهذا الغرض، وذلك إما
بصفة نهائية أو لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات".
حنان.. المنبوذة
تمشي بتؤدة وعنفوان، وهي تجر وراءها سنواتها العشرين. طويلة القامة، رشيقة القوام. شعر أسود فاحم. وجهها دائري الشكل. أنفها دقيق. وشفتاها مضمومتان. مواصفات تجعل منها محاطة بالأصدقاء وبعض المعجبين، لكن لا شيء من هذا يحدث معها، "لأنني أغلب العقل والمنطق على العواطف"، تقول بابتسامة خافتة.
تدرس حنان (اسم مستعار) في السنة الثانية بكلية العلوم بالرباط. خرجت منذ سنتين عن الدين الرسمي لعموم المغاربة، وأصبحت ربوبية. فهي تؤمن بوجود قوة وراء إنشاء الكون، لكنها لا تؤمن بالأديان أيا كانت تعاليمها. "قراءة كتب المنطق والفلسفة، ومشاهدة الوثائقيات العلمية أظهروا لي ضعف الخطاب الديني. فهو ينتقص من جلال الكون"، هكذا تقول عن بداية ميولها إلى الفكر اللاديني، حيث كانت من قبل، مسلمة مواظبة على الفرائض الدينية. "حتى عرفت العلم والخطاب العقلاني"، تضيف ذات المتدخلة.
حنان تنشر مواقفها ضد الدين على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك. وفي الجامعة تصرح بمعتقداتها دون هواجس. "من أجل هذا كله أعاني من النبذ والإقصاء"، الجميع يتحدث عني في غيبتي بالشر. أنا أعرف هذا جيدا، الأمر يؤلمني قليلا. لكنني أحافظ في كل مرة على رباطة الجأش، وأستمر في ذات الطريق. تعيش حنان على صفحات الفايسبوك 'حياتها العقائدية' بكل اطمئنان. لكن هذا الهامش الكبير من الحرية يتقلص في الواقع ليصبح "سجنا مظلما وباردا"، تقول وهي تنكس رأسها.
لا تستطيع حنان مفاتحة عائلتها الصغيرة في الموضوع. "رغم انفتاحهم النسبي، إلا أنني لا أضمن ردة فعلهم. لهذا أحافظ بالأمر سرا في العائلة. أنا منبوذة من طرف الزملاء.. ولا أريد أن أغدو كذلك في العائلة أيضا !".
لاديني من عائلة "الشرفة".
"نحن أسرة متدينة بشكل كبير. سواء عائلة أبي أو أمي. جدي كان فقيها ونحن
معروفون بالـ "شرفة". وجدي الأخر كذلك كان فقيها. أبي حفظ ستين حزبا وأخرج
"السلكة" ثلاث مرات. أما عمي فهو حاصل على دكتوراه في الدراسات
الإسلامية". هكذا يخبرنا إلياس (اسم مستعار) عن الأسرة التي نشأ فيها على
قيم الدين الإسلامي. مع ذلك يصر على أن أسرته غير متشددة في الدين. "أنا
ليست لدي مشاكل مع العائلة. فأبي تفكيره تقريبا مثل تفكيري، حيث ألاحظ كيف
يتحدث عن الدين ونظرته لهذا الأخير. والدتي متدينة ثقافيا، تصلي و تؤدي
جميع الفرائض الدينية. لكنها ليست متشددة في الدين، فحينما أتحدث معها
يمكنني أن أقول أي شيء براحتي، حتى الكلام الذي يسمونه "فاحشا" قد أتلفظ به
أمامها و "عادي".
ما
يميز عائلة إلياس الكبيرة هو بعدها عن التشدد، حيث يمكنك مناقشة كل شيء في
حضرتهم، ولا مجال للطابوهات. "أنا وأخي وأبناء عمي لا نصلي. يطالبوننا
بمباشرة الصلاة، خاصة جدتنا وأمي وعمي وزوجته. لكنهم لا يتشددون في ذلك،
ويتركون لنا الحرية"، يضيف إلياس.
"أحتفظ بمعتقداتي لنفسي، مخافة شيء واحد، هو إفساد العلاقة مع العائلة.
فأنا أرى الدين مسألة ثانوية. ثم ما الذي يجعلني أفصح لشخص مهما كان قريبا
عن معتقداتي الدينية، ثم أفسد علاقتي به ؟! أرى أن ليس للأمر معنى، لذا
أفضل ترك الأمر شخصيا"، هكذا يفسر إلياس سبب عدم مصارحة عائلته بحقيقة
ميولاته الدينية. مع ذلك يصر هذا الشاب العشريني ذو الوجه الطفولي، والذي
يدرس بجامعة محمد الخامس بالرباط شعبة الاقتصاد؛ على أنه محظوظ باعتباره
نشأ في عائلة منفتحة. "فلو كنت أعيش في عائلة متشددة، لكان مصيري أسوأ
بكثير"، يستطرد إلياس، محدقا في أفق السماء.
بعد كل هذه السنوات على اعترافه لوالدته بطبيعة معتقداته، تذكر منصف كيف
كان الأمر صعبا بالنسبة له في البداية، وكيف قال لها في لحظة تردد ما
معناه : "أمي أنا لاديني، أرجوك لا تخبري أحدا !".
آراء الشارع :
سعيد : 45 سنة، تاجر حر.
لا أقبل بتاتا أن يعيش معي ابن لاديني، إنها قمة المعصية، لن أتحمل ذلك، فنحن في بلد إسلامي، إما أن يعود لجادة الصواب، و"يرجع لله" إما "يمشي عليا بحالو"، يمكنني أن أقبل كل شيء إلا الطعن في الدين، حتى وإن كان ذلك من أقرب المقربين.
حسن : 58 سنة، مهندس متقاعد.
أنا مع حرية الفكر والعقيدة. إذا حدث و كان لدي ابن لا ديني، سأترك له كامل الحرية في ذلك، شريطة أن تكون آرائه مبنية على المنطق والعقل، وليست موجة طيش أو حالة من المراهقة الفكرية. حينها سأنصحه، سنتحدث كالأصدقاء، وإذا لم يقتنع سيظل إبني.. إلى الآبد.
معاذ : 18 سنة، طالب.
أنا أقبل بأخ أو أخت لا دينيين. مهما حدث لا يمكن للإنسان رفض أخ له، الأمر صعب للغاية. يمكنني أن أتألم لذلك، لكن بصمت. المهم سنظل إخوة، ومن الممكن أن يعود يوما إلى جادة الصواب.
رشيدة : 30 سنة، موظفة.
سؤال هل تقبل بابن أو بنت لا ديني(ة) سؤال صعب للغاية. لا أدري صراحة، لكن في كل الأحوال سيظل ذلك الإنسان جزءا لا يتجزأ منك.. حتى "المحابسي" و "المسخوط" لا تستطيع العائلة رفضه، فما بالك بفرد ذنبه الوحيد أنه فكر بشكل مغاير.
لطيفة : 59 سنة، ربة بيت.
أعوذ بالله، هذا موقف صعب جدا. سأحاول معه قدر الإمكان العدول عن أفكاره الخاطئة، لكني لا أستطيع أن أطرده أو ألفظه.. "الكبدة صعيبة أوليدي".
محمد : 50 سنة، مقاول.
الذي ينكر وجود الله لا يستحق العيش براحة داخل بيتي، أنا أستطيع قبول كافة أشكال الانحراف.. "ويكمي الحشيش ويدير القرقوبي ومايجبدش ليا هاد الهضرة".. الدين شيء مقدس في مجتمعنا.
Ei kommentteja:
Lähetä kommentti