حوار عبد اﷲ العروي
–
الأحداث المغربیة، الجزء
3
fac
الجزء الثالث من حوار عبد اﷲ العروي
–
الأحداث المغربیة
22
نونبر
2013
-
انطلاقا مما أدلیتم بھ إلى حد الآن و أنتم تقاربون ھذا الموضوع الشائك الذي یعنیكم
شخصیا، أین یكمن المشكل لدى أصحاب الدعوة إلى اعتماد الدارجة في التدریس و
الكتابة ؟
لأجیب عن ھذا السؤ
ال، أنطلق من كوني ألاقي صعوبة في استیعاب كیف يغامر ھؤلاء الأشخاص و
يدعون ھكذا ببساطة إلى التدريس بالدارجة و اعتمادھا
لغة للتعلم و الكتابة، دون احتساب عواقب ما
يدعون إلیه،فإما أنھم لم يمروا من مرحلة التعلم كما مر منھا أغلب المغاربة، و إما أنھم لم يمارسوا
ال
تعلیم و لم يخبروا مجاله المعقد، و إما أنھم لم يشرفوا على تربیة أبنائھم و تتبع مسارھم التعلیمي و
ما يعترضھم من مشاكل في تطور اكتسابھم للغة، أو أنھم لم يجربوا الكتابة و لم يخبروا مجال الكتابة
الفنیة المعقد
.
أقول كل ھذا لأستخلص الخلاصة التي تھمني، و ھي أنھم ل
م يمارسوا كل ما سردته
لیقفوا بالملموس على مستوى و محدودية ما يدعون إلیه، و أنه لا يمكن أن يحل المشكل اللغوي
القائم
.
سأضطر ھنا إلى العودة إلى تاريخ ھذا المشكل، و سأكتفي بإعطاء مثال كاف للدلالة على
الاستخلاص الذي استخلصته و خرجت به من ھذه الدراسة التي أنجزتھ
ا حول الموضوع
.
أريد أن أقول إن
مشكل اللغة العربیة و الدارجة و الدعوة إلى اعتماد الدارجة بدل العربیة، لا يطرح إلا في بداية المسیرة
الثقافیة لشعب معین، و كان اللبنانیون سباقون إلى طرح ھذا المشكل في ثلاثینیات و أربعینیات القرن
الماضي، و كان الشاعر الكبیر سعید
عقل، من دعاة اعتماد اللبنانیة لغة للكتابة و الإبداع
، و لم يقف عند
حوار عبد اﷲ العروي
–
الأحداث المغربیة، الجزء
حدود الدعوة، بل انتقل إلى كتابة الشعر باللبنانیة
.
ماذا حدث بعد ذلك بلبنان ؟ بعد ستین سنة، لم يعد
اللبنانیون يطرحون ھذا المشكل
.
-
كیف تخلص اللبنانیون من ھذا المشكل ؟ نطرح ھذا السؤال حتى یست
فید الدعاة إلى
اعتماد الدارجة المغربیة لغة للتدریس و الكتابة من التجربة اللبنانیة و الحل الذي انتھت
إلیھ
.
أقول لك إن اللبنانیین تخلصوا من مشكل الدارجة و العربیة لأن مستوى اللغتین تقارب، و لم يعد ھناك
من يتحدث بلغة العلماء أو يكتب بھا، لا في الجامعة و لا ف
ي الصحافة المكتوبة و لا في وسائل الإعلام
السمعي و البصري، و لأن البنات و النساء تعلمن في المدارس و صرن يتحدثن إلى أبنائھن بلغة راقیة،
بحیث كل جیل يساھم في اقتراب لغة الدار من لغة الصحافة، و خاص الصحافة الیومیة و التلفزيون
اللذين تلتقي فیھما اللغة الدارجة و
العربیة و يقتربان من بعضھما البعض
.
التجربة نفسھا، مر منھا
المصريون
فما نسمیه اللھجة المصري فھي في حقیقتھا لھجة قاھرية، و لیست لھا أي علاقة باللھجات
الأخرى التي يتحدث بھا باقي المصريین في المناطق الأخرى في مصر
.
انتقل في السیاق نفسه إلى
اللغة التي يتحدث بھا
البغداديون، لأقول ھي لغة العاصمة العراقیة و لیست لھا أي علاقة باللغة التي
تستعملھا كل منطقة من مناطق العراق خارج بغداد
.
أقول ھذا من باب التمھید إلى الإجابة عن السؤال،
و أنتقل مباشرة إلى الموضوع الذي يھمني
.
يقول الدعاة إلى اعتماد الدارجة المغربیة إنھم يحتا
جون
إلى مائة عام لبناء اللغة التي يتحدث بھا المغاربة حتى تصیر لغة مخدومة و قادرة على أن تصیر لغة
للتدريس و الكتابة، أقول لك، امنحني ھذه المائة عام حتى أبني اللغة المعربة و أخدمھا، و ستصیر ھي
اللغة التي يتحدث بھا أي مغربي في البیت و الشارع، و ستصیر ھي لغة ا
لحديث الیومي و لغة
التدريس و الكتابة
-
ألا ترون أنھا مھمة مستحیلة التحقق ؟
امنحني مائة عام و تسلح بالنفس الطويل، و سترى النتیجة بالملموس
.
الدعاة إلى اعتماد الدارجة
يطلبون مائة سنة لیبنوا الدارجة حتى تصیر لغة الحديث الیومي و لغة التدريس و كتابة نصوص يمكن
أن
يفوز نص منھا بجائزة نوبل للآداب، إذن فلیمنحوا ھذه المدة الزمنیة لبناء اللغة المعربة و خدمتھا، لیروا
النتیجة دون إحداث قطیعة ثقافیة مع إرث الثقافة العربیة و ما تزخر به من كنوز، لا يمكن للدارجة أن
تعوضھا
.
مائة عام مدة كافیة لحدوث التراكم الكافي لتطور الع
ربیة و ملء الشرخ بینھا و بین الدارجة
.
-
إذا سمحتم، لنرفع اللبس الذي یظھر أنھ ما زال یحكم دردشتنا، لیس ھناك طرف ینادي
بإقصاء العربیة، و إنما المطلوب ھو خدمة اللغة الوطنیة التي ھي المغربیة حتى یقع
التعاون بینھا و بین ما تسمونھ اللغة المعربة، في أفق حل المعض
لة اللغوبة بالمغرب
.
الذين ينادون باعتماد الدارجة، ھل يخدمون ھذه اللغة ؟
-
قضیة اللغة
الوطنیة، لا علاقة لھا بالأفراد، و إنما ھي مشروع حضاري و قضیة دولة،
الدولة المغربیة و ھي تسعى إلى تأسیس لغتھا الوطنیة باعتبارھا شرطا من شروط اكتمال
بناء الدولة الوطنیة
.
يظھر أنك لم تستوعب ما قلته منذ البداية
.
ھل لديك أو لدى الدعاة إلى اعتماد الدارجة لغة وطنیة،
قناعة أن ھذه القضیة تستحق أن تتفرغ الدولة للاھتمام بھا و جعلھا من أولیات اھتمامھا لأنھا شرط من
شروط بنائھا و اكتمالھا؟
!
قبل أي شروع في الإجابة عن ھذا السؤال، ھل تض
من نتیجة ھذه المغامرة غیر محسوبة العواقب
حوار عبد اﷲ العروي
–
الأحداث المغربیة، الجزء
3
fa
-
ستصیر لنا نحن المغاربة، لغة وطنیة خاصة بنا، تمیزنا عن شعوب المنطقة
.
يظھر أنك لم تسايرني في ما ذھبت إلیه منذ انطلاق الحوار
.
لغتك تظھر أنك يا سیدي، لم تستوعب
أنني أتفق معك مائة في المائة، و لكن علیك أن تستشرف ال
نتیجة من ھذه اللحظة، لأن وضعك
سیكون في جمیع الأحوال كوضع ھولندا التي استقلت بلغتھا عن إسبانیا و اللغة الإسبانیة، من سیھتم
بك و بلغتك المغربیة في دنیا اللغات ؟
!
-
ستظل العربیة الفصحى لغة معتمدة لضمان ما تسمونھ التربیة الثقافیة حتى لا تقع
القطیعة مع الإرث ا
لأدبي العربي
.
لنفرض ذلك، و أن العربیة استمرت إلى جانب اللغة الدارجة، يقول المثل ما معناه أن قلبین لا يمكن لھما
أن يوجدا في صدر واحد
.
كنت سأتفق معك لو ذھبت في قولك إلى أننا سنبني اللغة الدارجة و سنعدم
العربیة و نعوضھا باللغة الفرنسیة أو الإنجلیزية، أما أن
تعتمد اللغة الدارجة و تحتفظ بالعربیة إلى جانب
بالعربیة إلى جانبھا فكأنك تحتفظ بالأم إلى جانب ابنتھا لتضمن الأصل و الإرث و كذا الامتداد
.
أسألك
ھنا، ھل تضمن الحفاظ على ضمان اتفاق البنت و أمھا بعد انفصال الأولى و الثانیة و استقلالھا بذاتھا و
حیاتھا و مستقبلھا
؟
!
نعیش في الحیاة الیومیة و العادية، وقائع المخاصمات المستمرة بین البنت
بحیاتھا بعیدا عن الأم
.
ھذا ما سیقع إذا ما انفصلت الدارجة عن العربیة و صارت لغة مستقلة بذاتھا، إذ
لا يمكن لھما أن يستمرا في تصالحھما و تساكنھما كما ھو الحال الآن، فإما أن تھیمن الدارج
ة على
العربیة،
و إما أن تستمر العربیة في فرض وصايتھا على الدارجة و تسیطر على ابنتھا و تتحكم في
حاضرھا و مستقبلھا
.
-
كیف یمكن للفصحى المحصورة في فعل القراءة و الكتابة فقط، أن تسیطر على المغربیة
الحیة و المتطورة دائما ؟
ولا، أنا لا أتحدث عن العربیة الفصحى و إنما عن العربیة المعربة
.
اللغة العربیة الفصحى ھي اللغة
المكتوبة في كتاب واحد، لا يقرؤه الكثیرون و لا يستعمله أحد، و ھذا الكتاب ھو
"
مقامات الحريري
."
ھذا
الكتاب ھو وحده يمثل اللغة الفصحى
.
القرآن لیس لغة فصحى لأن لغته في
متناول الجمیع، و لا يحتاج
إلى القوامیس و المعاجم لفھم لغته
.
-
كیف تحقق الفصحى في مقامات الحریري دون سائر المؤلفات التي كتبت بالعربیة ؟
سأوضح لك كیف تحققت الفصحى في مقامات الحريري
.
كان ھدف الحريري من تألیف مقاماته، ھو
تعلیم قارئه المفردات الخاصة كي تنجح
في التألیف و كتابة الشعر و غیره، و لم يكن ھدفه من المقامات
الكتابة الفنیة
.
كان ھدفه لغويا صرفا، على العكس تماما من الھمذاني الذي كان ھدفه فنیا لأنه كتب
مقاماته لغاية فنیة لا دخل للتعلیم فیھا
.
-
على العكس، مقامات الحریري ناضجة فنیا مقارنة بمقامات الھمذاني
.
غیر صحیح
.
مقامات الحريري مكتوبة بكلمات غیر مفھومة و متروكة و لا يستعملھا
أي
متكلم في لغته
.
جرب أن تقرأ مقامات الحريري، و اختبر مدى قدرته على استعمال المفردات التي كتبھا بھا في ما
ستكتبه و توجھه إلى القراء لیقرؤوه و يفھموه دون حاجة
إلى القوامیس و المعاجم
.
!
.h
Ei kommentteja:
Lähetä kommentti